ما حكم جهر الإمام ناسيًا بالقراءة في الصلاة السرية ؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء حيث قالت إذا أسرَّ الإمامُ في الصلاة الجهرية أو جَهرَ في الصلاة السرية سهوًا؛ فلا تبطلُ صلاتُه اتفاقًا، ولكن هل عليه سجودُ سهوٍ أو لا؟ خلافٌ بينَ الفقهاءِ.
حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية
وتابعت: فذهبَ الحنفيةُ، والحنابلةُ في روايةٍ إلى أنَّ الإمامَ إذا سَهَا فجهرَ في الصلاةِ السريةِ، أو أسرَّ في الصلاةِ الجهريةِ يكونُ عليهِ سجودُ السهوِ، وهو ما ذهب إليه المالكيةُ في غير اليسير من الجهر والإسرار؛ قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (1/ 222): [(وإن جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به يسجد للسهو)؛ لأن مراعاة صفة القراءة في كلِّ صلاةٍ بالجهر والمخافتة واجبٌ على الإمام] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 381-382، ط. دار المعارف، ومعه "حاشية الصاوي") في بيان سجود السهو: [(و) كـ (إبدالِ السرِ بالفرضِ) أي: فيه -لا في النفل- كأن يقرأ في الظهر أو العصر ولو في فاتحةٍ منهما أو من أخيرةِ المغربِ أو العشاءِ (بما زادَ على أدنى الجهرِ) سهوًا، فَإِنَّهُ يسجدُ بعدَ السلامِ؛ لأنَّ الجهرَ مكانَ السِّرِّ زيادةٌ، كما أنَّ السر مكان الجهر نقصٌ، وأمَّا لو أتى فيما ذُكِر بأدنى الجهر -بأنْ أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه خاصة-؛ فلا سجودَ عليه؛ لخِفَّة ذلك، فتَحَصَّل أنَّ مَن تركَ الجهرَ فيما يُجهر فيه وأتى بدله بالسر فقد حصل منه نقص، لكن لا سجود عليه إلَّا إذا اقتصر على حركة اللسان، وأنَّ مَن ترك السر فيما يُسر فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصل منه زيادة، لكن لا سجود عليه بعد السلام إلا إذا رفع صوته فوق سماع نفسه، ومن يليه بلصقه بأنْ كان يسمعه من بعد عنه بنحو صف فأكثر] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 25): [الجهرُ والإخفاتُ -في موضعهما- مِن سننِ الصلاةِ، لا تبطل الصلاةُ بتركهِ عمدًا، وإنْ تَركَهُ سهوًا فهلْ يُشرع لهُ السجود منْ أجلهِ؟ فيهِ عنْ أحمد روايتان: إحْدَاهُمَا لا يُشرع] اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء في "المسائل الفقهية" (ص: 121، ط. مكتبة المعارف): [مسألة: واختلفت هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات؟
فنقل أبو داود: أنه يسجد، وهو اختيار الخرقي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ»] اهـ.
وذهب الشافعيةُ والحنابلةُ في المعتمدِ إلى أنَّه ليس على ترك الجهر والإسرار في الصلاةِ سجودٌ للسهوِ، وهو ما ذهب إليه المالكية في اليسير من الجهر والإسرار؛ قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 279، ط. دار الفكر): [(و) لا سجودَ في (يسيرِ جهرٍ) في سريةٍ بأن أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه فقط (أو) يسير (سِرٍّ) في جهريةٍ، والمرادُ أعلى السرِّ، ولو عَبَّر به كان أَوْلى؛ بأن أسمع نفسه فيها فقط] اهـ.
قال العلامة الدسوقي محشِّيًا عليه: [(قوله: ويسير جهرٍ أو سِرٍّ) معناه: لا سجودَ على من جَهَرَ خفيفًا في السريةِ بأنْ أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه، ولا على مَن أَسَرَّ خفيفًا في الجهرِ بأن أَسْمَعَ نفسه فقط] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 128، ط. دار الفكر): [مذهبنا: أنَّهُ لا يُسْجَدُ لتركِ الجهرِ والإسرارِ] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 105، ط. دار المؤيد) عند كلامه على سنن الصلاة: [ومنهُ: الجهرُ والإخفاتُ والترتيلُ والإطالةُ والتقصيرُ في مَواضِعِهَا، (ولا يُشرعُ)؛ أي: لا يجبُ، ولا يُسَنُّ (السجودُ لتركهِ) لعدمِ إمكانِ التحرزِ منْ تَرْكِهِ] اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء في "المسائل الفقهية" (ص: 122): [مسألة: واختلفت هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات؟.. ونقل صالح وابن منصور والأثرم والمشكاتي: ليس عليه سجود، ونقل المشكاتي: إن سجد لم يضره.. فظاهر هذا أن السجود غير مسنون، وإنما هو جائز؛ لأن هذا ترك هيئة فلم يجبر كبقية الهيئات] اهـ.
والدليل على أنَّ ترك الجهر والإسرار في موضعهما ممَّا لا يُسجد لهُ للسهوِ أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فَعَل ذلكَ؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بـ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾» رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والمقدسي في "المختارة".
وقد روي هذا الفعل -الجهر في الصلاة السرية- عن عددٍ من الصحابة، منهم: عمر، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وسعيد بن العاص رضي الله عنهم، كما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والبيهقي في "السنن الكبرى".