تصاعدت حدة التوتر بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة، حيث شهدت المنطقة موجة من التصعيد العسكري المتبادل.
واستهدفت الطائرات الإسرائيلية جنوب لبنان بغارات مكثفة، فيما رد حزب الله باستهداف قاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية بعشرات الصواريخ، هذه التطورات تأتي في سياق نزاع متواصل بين الطرفين منذ نحو عام، في ظل توتر إقليمي متزايد وتصاعد المخاوف من اتساع رقعة الصراع.
الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان
في مساء يوم السبت، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة غارات عنيفة على جنوب لبنان، حيث أفادت وكالة الأنباء اللبنانية أن الطائرات نفذت أكثر من 50 غارة خلال أقل من 40 دقيقة، ولم تقتصر الغارات على المساء، إذ تواصلت لاحقًا خلال الليل.
وأفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، خلال مؤتمر صحفي، أن الجيش الإسرائيلي بادر بالهجوم بعد أن رصد استعدادات من حزب الله للهجوم.
وفي الوقت ذاته، أعلن حزب الله اللبناني أنه استهدف قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق حيفا للمرة الثانية في نفس اليوم.
وأفاد الحزب بأن الهجوم جاء باستخدام صواريخ من طراز "فادي 1" و"فادي 2" كجزء من رد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي طالت المناطق اللبنانية، ودوت صفارات الإنذار في مناطق عدة شمال إسرائيل، بما في ذلك حيفا والجليل، حيث تم إطلاق دفعات صاروخية من جنوب لبنان باتجاه تلك المناطق.
وعلى إثر التصعيد، أعلنت قيادة الجبهة الداخلية في إسرائيل تعليق الدراسة في جميع مدن وبلدات شمال إسرائيل، بما في ذلك حيفا وعكا وطبريا وصفد، وذلك وفقًا لتوجيهات الجيش الإسرائيلي.
ووسّع حزب الله نطاق هجماته يوم الأحد، حيث أطلق دفعات جديدة من الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، بينما استمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية في شن غارات واسعة على مواقع إطلاق الصواريخ في جنوب لبنان، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن القبة الحديدية اعترضت صواريخ أُطلقت باتجاه مناطق شرق حيفا وشمال تل أبيب.
في السياق نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف آلافًا من قاذفات الصواريخ التابعة لحزب الله التي كانت جاهزة للاستخدام فورًا، كما أفاد الجيش بأن عشرات الطائرات الحربية شنت غارات مكثفة على أهداف لحزب الله جنوب لبنان، ردًا على الاستعدادات المتزايدة لإطلاق قذائف صاروخية نحو إسرائيل.
قالت جماعة حزب الله اللبنانية، الأحد، إنها "استهدف بعشرات الصواريخ مجمعات صناعات عسكرية عائدة لشركة إسرائيلية" شمال مدينة حيفا، وذلك في "رد أولي" على تفجير الآلاف من أجهزة الاتصال التي كانت بحوزة عناصرها في وقت سابق هذا الأسبوع، فيما يشن الجيش الإسرائيلي ضربات على مواقع للحزب، متوعدا بأنها "ستستمر وتتكثف".
وجاء في بيان لحركة حزب الله، أنه "في رد أولي" على هجمات "البيجر" التي نسبتها لإسرائيل دون أن تعلق الأخيرة عليها، يومي الثلاثاء والأربعاء، تم "قصف مجمعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل المتخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية، الواقعة في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا، بعشرات الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2 والكاتيوشا".
استهداف قيادات حزب الله
وفي تصعيد آخر، استهدفت غارة إسرائيلية قرب بيروت اجتماعًا لقيادة قوة "الرضوان" التابعة لحزب الله، مما أدى إلى مقـ ـتل 37 شخصًا، بينهم اثنان من المسؤولين العسكريين البارزين للحزب وعدد من قياديي وحدة النخبة، هذا الهجوم أثار المخاوف من اتساع نطاق النزاع بين الطرفين.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، حثت وزارة الخارجية الأمريكية مواطنيها في لبنان على مغادرة البلاد، حيث لا تزال الرحلات الجوية التجارية متاحة، وذلك في ظل اشتداد النزاع بين إسرائيل وحزب الله.
ويتبادل الطرفان القصف عبر الحدود منذ أكتوبر 2023، حيث فتح حزب الله "جبهة إسناد" لحركة حماس في غزة بعد اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل.
وعلى الرغم من الدعوات الدولية لتهدئة الأوضاع، إلا أن التصعيد العسكري لا يزال مستمرًا، مع تداعيات خطيرة على الأوضاع الإقليمية والإنسانية في لبنان وقطاع غزة.
وفي قطاع غزة، أفاد الدفاع المدني عن مقتل 21 شخصًا على الأقل جراء قصف استهدف مدرسة تؤوي نازحين، فيما أكد الجيش الإسرائيلي أن الهجوم كان يستهدف عناصر من حركة حماس في المنطقة.
ينذر التصعيد المتواصل بين إسرائيل وحزب الله بتفاقم الوضع الإقليمي ويزيد من تعقيد الأوضاع على الأرض، في ظل استمرار العمليات العسكرية من الجانبين، مع توسع نطاق الهجمات وارتفاع حصيلة القتلى، يبقى الحل السياسي بعيد المنال، مما يعزز المخاوف من انجرار المنطقة إلى حرب شاملة.
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي بحركة فتح، الدكتور أيمن الرقب، إن تصاعد الاغتيالات الإسرائيلية في لبنان، والتي جاءت بعد اغتيال القيادي في حزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في يوليو الماضي بطهران، يعكس وجود "ضوء أخضر أمريكي" لرفع وتيرة التصعيد، مع غياب الأولوية للوصول إلى اتفاق هدنة في غزة.
وأصاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن أي تصريحات أمريكية أخرى لا تعدو كونها "تجميلًا للصورة ودعاية انتخابية"، خصوصًا في ظل انشغال إدارة بايدن بالسباق الرئاسي، وأضاف أن الأقرب إلى الواقع هو استمرار التصعيد في جبهة لبنان.
وفي السياق نفسه، لا تزال لغة التصعيد هي المسيطرة على الموقف في المنطقة، سواء على المستوى الدولي أو في ميادين المواجهات، حيث حذّر وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة، من تداعيات الهجمات على أجهزة الاتصالات، مشيرًا إلى أن "العالم بأسره لم يعد آمنًا بعد اليوم".