هل الوعد بالبيع ملزم شرعًا؟ سؤال يكثر البحث عنه؛ خاصة لمن يطلب عربونًا مقابل الاحتفاظ بالشيء المباع حتى إتمام البيع، ونوضح ذلك من خلال ما ذكرته دار الإفتاء المصرية.
هل يجوز الرجوع في البيع بعد أخذ العربون؟
يقول السائل: قام والدي بعرض قطعة أرض يمتلكها للبيع، فأتى مشترٍ واتفقنا على أن نبيع له وقرأنا الفاتحة، ثم جاء في اليوم الثاني هذا الشخص بمشترٍ آخر غيره يصحبه ليعرض عليه الأرض، وفي اليوم الثالث جاء بمشترٍ آخر غيره وغير السابق فعرفنا أنه سمسار، وأخبره والدي وأخي بأن الفاتحة منقوضة وغير سارية، والبيع غير منعقد إذا لم يدفع العربون، فذهب ولم يحضر عربونًا، ثم جاء مشترٍ آخر غير السابقين واتفق معنا على البيع ودفع عربونًا وتم التوقيع على عقد البيع مع وجود شرط جزائي قيمته مائة ألف جنيه وذلك في مجلس واحد. فهل المشتري الأول له الحق في العين المباعة؟ وما صحة العقد في البيع الثاني؟ وهل علينا تَبِعات في الفاتحة التي قرأناها في البيع الأول الذي أُخبر الشخص الأول بفسخه من جانب البائع إذا لم يحضر ماله؟
وقالت الإفتاء إن البيع الثاني صحيحٌ شرعًا، ولا شيء على والد السائل تجاه الشخص الأول؛ لأن كلامه معه مجرد وعد بالبيع، والفاتحة لتأكيد هذا الوعد، والوعد بالبيع غير ملزم عند جمهور الفقهاء، أما الشرط الجزائي فيكون تنفيذه على قدر الضرر إذا حصل ضرر فعلي.
وتابعت: من تعريف العقد أنه: كل ما نشأ عن اتفاق إرادتين بحيث يظهر أثره في المحل، ولا تنعقد العقود إلا مع الجزم بها حتى تكون مُلزمة، فإذا لم تكن مع الجزم بها كان هذا وعدًا بإبرامها، والوعد غير ملزم عند جمهور الفقهاء، والشرط الجزائي أعدل الآراء فيه أنه لا يبطل مطلقًا ولا يباح مطلقًا، بل يصح إذا حصل ضرر فعلي، ويقوَّم بقيمة الضرر، لا بما التزم به الطرفان فعلًا.
وشددت مما سبق وعلى ما ورد في واقعة السؤال: فإن والد الطالب كان كلامه مع الشخص الأول وعدًا بالبيع، وكانت قراءة الفاتحة محاولة لتأكيد هذا الوعد له، ولكن هذه القراءة لا تنقله عن كونه وعدًا، وكان البيع الذي وقع بينه وبين الشخص الثاني عقدًا صحيحًا نافذًا، دلَّ توثيقُه بالكتابة وقبض المال في المجلس على اتفاق إرادة الطرفين ورضاهما به، مما أكسبه صفتي الصحة والنفاذ؛ ومن ثَمَّ فليس للشخص الأول حق لدى والد الطالب، خاصة وقد أعذر إليه بنقض الاتفاق إذا لم يحضر العربون، والعقد الثاني صحيح، والشرط الجزائي يكون تنفيذه على قدر الضرر إن كان ثَمَّ ضرر.
حكم البيع والشراء من شخص يختلط ماله بالحرام
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز شرعًا التعامل مع من اختلط ماله الحلال بالحرام إذا لم يعرف حاله؛ بيعًا وشراءً، وأخذًا وإعطاءً، والإثم في المال المأخوذ من حرام إنما يقع على من اكتسبه، أما مَن انتقل إليه المال بالطرق المشروعة فلا حرمة عليه ولا إثم، لكن إن تعين المال الحرام -سواء لتعلق حق الغير به أو غير ذلك- وتميز عن الحلال، حرُم أخذه؛ لِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل.
ونبهت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال: هل يجوز لي أن أبيع وأشتري ممن يختلط ماله الحلال بالحرام؟ على أنه لا يشرع للإنسان التكلف في السؤال عن مصدر ما يأخذه أو يتناوله غيره، ولا يجوز له التجسسُ لمعرفة ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا، فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ، فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ» رواه أحمد وغيره.
وذكرت أن المقصود من اختلاط الحرام بالحلال في المال: انضمام بعضه إلى بعض، وهذا يشمل ما يمكن تمييز الحرام فيه عن الحلال، وما لا يمكن تمييزه.
فإذا تميز الحرام في المال عن الحلال؛ بحيث يمكن الاحتراز عن الحرام: كان ذلك واجبًا، وحرُم على الإنسان أخذُه حتى لا يشارك صاحبَه في إثمه وتَبِعتِه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ شَرِكَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا» رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح ولم يخرجاه، والبيهقي في "السنن الكبرى".
أمّا إذا اختلط حرام المال بحلاله، ولم يمكن التمييزُ بينهما: فالذي عليه جماهير الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة وغيرها: أنه يجوز التعامل مع صاحبه؛ استصحابًا لأصل الحل؛ فإن الحلَّ هو الأصل، والحرمة طارئة، وما لم يُتَيَقَّن الطارئُ فالأصل بقاءُ ما كان على ما كان.
ومن العلماء مَن كره ذلك تورعًا، ومنهم من قصر الكراهة على ما إذا عُلِم أن أغلب المال حرام، ومنهم من حرَّم التعامل معه إذا كان غالب ماله حرامًا، ومنهم من حرَّمه مطلقًا؛ بدعوى أن اختلاط الحرام بالحلال في المال يستوجب شيوعه في جميعه؛ فيكون للحرمة نصيب في كل أجزائه، وهذا القول ردَّه المحققون من أهل العلم، ونصوا على كونه غلوًّا وتشددًا وشذوذًا.