التعليم شرف للجميع، لكل من يعمل في حقله سواء كان تلميذا أو معلما أو حتى مقدم خدمات وعاملا في معهد أو مدرسة، الكل ينال شرف العلم وبركته وصدق الشاعر الذي يقول
تعلم العلم واقرأ تحز فخار النبوة
فالله قال ليحيى خذ الكتاب بقوة.
واسمحوا لي -أيها الإخوة الكرام- أن أخاطب القائمين بالتعليم مباشرة، لأنهم صُنّاع الجيل، وهم الذين يباشرون توجيه فلذات الأكباد، وأمل الأمة.
كما قال شوقي:
هذب الطفل فما تدري غدا
حاله في الناس من شأن عظيم
فلربما أخرج مهد فرقدا
ينقذ الناس من الليل البهيم
...
أيها المعلمون والمعلمات الأفاضل:
إن طلاب اليوم هم الذين سيتولون في المستقبل القريب توجيه سفينة المجتمع، وإدارة شؤونه، فإذا قمنا اليوم بتوجيههم الوجهة الصالحة، وخرجوا لنا جيلاً مثقفًا مؤمنًا بالله -تعالى-؛ فستسري في نفوسهم روح الخير وحب دينهم وأمتهم ووطنهم، وحب العمل ابتغاء وجه الله -تعالى- وليس ابتغاء مطمع دنيوي، أو متاع زائل، وتخلصت مجتمعاتنا من أمراض النفاق، وأكل السحت، واتباع الشهوات ونحو ذاك، وسارت سفينتنا إلى غايتها لا تبالي بالرياح، ولا الأمواج التي تأتيها من الشرق والغرب.
أخي المعلم: مؤكد أنك تحب رقي مجتمعك، وتحرص على أن تترك بصماتك الحميدة على نفوس طلبتك، وأن يذكروك في الدنيا والآخرة بالخير، ويشهدوا لك بحسن أداء الأمانة، كما أنك الآن لا تذكر من أساتذتك إلا من لهم أثر في حياتك، ومن كانوا يسقونك رحيق تجاربهم، طيبةً بذلك نفوسهم، يسهرون من أجل تقدمك العلمي، ويتحرقون حين يواجهون طالبًا مهملاً.
إنك تتذكر هذا وأكثر من هذا، فتدفعك الحماسة لكي تنجز كما أنجزوا، وتقدم كما قدموا، ولكنك ستزداد حماسةً وحبًّا للنصح والتوجيه والدعوة إلى الله حين تتذكر حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه مسلم،
وقوله -صلى الله عليه وسلم- كذلك: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم" متفق عليه.
والحكمة واللين والتؤدة هي سواعدك التي تبني بها تلك النفوس الطرية، قال الله -تعالى-: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
وينبغي للمدرس أو المعلمة أن يكونا قدوة للطلاب أو الطالبات؛ التزامًا بالمظهر والسمت الإسلامي الحسن، وتطبيقًا لأوامر الله واجتنابًا لنواهيه، وتخلقًا بالفضائل في جميع الأحوال. يقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)، وعندما يخالف فعل المعلم قوله فلا يجزع إذا لم يلقَ استجابة لتوجيهاته.
وينبغي للمعلم -أيضًا- إذا دخل الفصل أن يقابل الطلاب بوجه طليق مشرق، بابتسامة شفافة غير مصطنعة، ويحييهم بتحية الإسلام أولاً، ثم يثني -إذا شاء- بمثل: (صباح الخير) ونحوها، ويبدأ الكتابة على السبورة بالبسملة أو الحمد لله، فـفي الحديث الصحيح: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، وبالحمد لله، أو بحمد الله أو بذكر الله، فهو أجذم أو أقطع أو أبتر" أخرجه ابن حبان في صحيحه، والنسائي في الكبرى.
لتعلم -أيها المعلم- أن نجاحك في توجيه الطلبة بعد كل ما مر مرتبط بتوفيق الله -تعالى- لك في إحسان العملية التعليمية، والإخلاص في إعداد الدروس وتحضيرها، ثم في شرحها وإبداع الوسائل التي تتمكن عن طريقها من إيصال المعلومات للطالب.
ووصيتي لك -أخيرًا- أن تُحسن معاملة طلبتك، وأن ترفق بهم ولا تشدد عليهم، ولا تسخر من أحد منهم حتى ولو كان ضعيفًا، بل احرص على تقويته، فإن ذلك كله مما يساعد على استجابتهم لما تدعوهم إليه من خير وبر.
وتذكر بأن الفصل ميدانك الأول، والنشاط الطلابي ميدانك الآخر، فخُض غماره، واستفد وأفد منه، سواء أكان ثقافيًّا يشمل المسرح والإذاعة والصحف ونحوها، أم اجتماعيًّا كالرحلات والمخيمات وغيرها، أم رياضة؛ وليكن دورك هو وضعها فيما يرضي الله، وجعلها وسيلة خير وبر.