نظمت كلية القرآن الكريم بطنطا حفل تخرج الدفعة 29، دفعة الدكتور، نصر سعيد عبد المقصود، عميد الكلية الأسبق-رحمه الله-.
نائب رئيس جامعة الأزهر يشهد حفل تخرج الدفعة 29 من كلية القرآن الكريم بطنطا
تحت رعاية الدكتور سلامة داود، رئيس الجامعة، وبحضور الدكتور رمضان عبدالله الصاوي، نائب رئيس الجامعة للوجه البحري، والدكتور عبدالفتاح خضر، عميد الكلية السابق، والدكتور أحمد عبد المرضي، عميد الكلية الحالي، والدكتور محمد سليمان، وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، وجمع غفير من أعضاء هيئة التدريس، والعاملين بالكلية، والطلاب الخريجين، وذويهم .
وفي كلمته قدم الدكتور رمضان الصاوي العزاء لكل أهل العلم في وفاة الدكتور نصر سعيد عبد المقصود، موضحًا أن حاله في الدنيا كمن قال الله فيهم (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ وأن الخير في هذه الدفعة دفعة الدكتور نصر سعيد؛ لأنها امتداد لهذا العالم الجليل.
كما هنأ فضيلته الجميع بمناسبة المولد النبوي الشريف، موضحًا أن النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- قد جاء نورًا للبشرية أجمعين (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} مستدلًا أيضاً بقوله-صلى الله عليه وسلم-: ( أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبُشرَى عيسَى، ورأت أُمِّي حينَ حَمَلَتْ بي كأنَّهُ خرجَ منها نورٌ أضاءَتْ لهُ قصورُ بُصرَى مِن أرضِ الشَّامِ).
وأوضح أن النور المحمدي جمع بين النور الحسي والنور المعنوي، فالله تعالى يقول: (ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلْأُمِّيَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ).
والنور الحسي في قول حسان بن ثابت:( بينما أنا ابن سبع سنين أو ثمانٍ أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة (الحصن) بيثرب يا معشر يهودا حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا ويلك؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به).
وقد روي أن إرهاصات وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت.
ولما ولدته أمه آمنة أرسلت إلى جده عبدالمطلب تبشرهُ بحفيده، فجاء به مستبشراً ودخل به الكعبة ودعا وشكر الله واختار له اسم محمد.
والمعنوي، وهو النور الذي أنزله الله معه، مستدلًا بقوله تعالى؛( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾
بل لا أبالغ أن النور المحمدي هو الموصل إلى الجنة( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
وأضاف أن النبي-صلى الله عليه وسلم- منة على عباده (لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ ).
وأن أخلاقه-صلى الله عليه وسلم- كانت القرآن، كما قال تعالى في وصفه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وتابع أن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- لا تعد ولا توصف؛ لكثرتها وعظمها ،كما أن النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- قد استكمل صفات الكمال البشري، فيما روي أن حبرًا من أحبار اليهود، زيد بن سعنة، قال:(والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه النبي حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أعرفهما فيه، الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، قال: فانطلقت يومًا فرأيت النبي-صلى الله عليه وسلم- وقد أقبل عليه رجل يركب راحلته وهو يقول: يا رسول الله إن قومي من قرية كذا أو من بني فلان في قرية كذا كانوا قد دخلوا الإسلام، وكنت وعدتهم أنهم إن دخلوا الإسلام أن يأتيهم الرزق رغدا، وقد أصابتهم اليوم شدة، فأخشى أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا في الإسلام طمعًا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء من المال، لتغيثهم به فعلت، وجزاك الله خيرا، فالتفت النبي إلى علي بن أبى طالب الذي كان معه وكأنه يريد أن يسأل: هل عندنا من المال من شي؟ فالتفت علي إلى النبي وقال: «والله ما معنا من المال شيء»، يقول زيد بن سعنة: فأقبلت على محمد-صلى الله عليه وسلم-، وقلت: يا محمد هل تبيعني تمرًا في حائط بني فلان إلى أجل معلوم؟ أراد أن يعطيه مالًا إلى أجل معلوم، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «نعم، لكن لا تسمى حائط بني فلان» فقال زيد بن سعنة: قبلت، قال: فأعطيت النبي-صلى الله عليه وسلم- ثمانين مثقالًا من ذهب، فدفعها كلها إلى الرجل وقال: «أغث بهذا المال قومك».
ومن المعلوم أن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، فانطلق الرجل بالمال كله، يقول زيد: وقبل أن يحل وقت السداد رأيت محمدًا في نفر من أصحابه، يجلس إلى جوار جدار، بعد أن صلى على جنازة رجل من الأنصار، فأقبلت عليه، وأخذته من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من دين يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبدالمطلب إلا مطلا في سداد الديون، فانتفض عمر والتفت إلى هذا الحبر اليهودي ـ وهو لا يعرفه ـ وقال: «يا عدو الله تقول لرسول الله ما أسمع، وتفعل برسول الله ما أرى، والله لولا أنني أحذر غضبه-صلى الله عليه وسلم- لضربت رأسك بسيفي هذا» وزيد بن سعنة يراقب وجه النبي-صلى الله عليه وسلم- وكلماته، ويريد أن يسمع ماذا سيقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في هذا الموقف الرهيب العصيب، فالتفت النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى عمر وقال: «لا يا عمر، لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بحسن الأداء، وأن تأمره بحسن الطلب» ثم قال: يا عمر «خذه وأعطه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمر جزاء ما روّعته» يقول زيد: فأخذني عمر فأعطاني حقي، وزادني عشرين صاعا من التمر.
فقلت له: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أزيدكها جزاء ما روّعتك.
فقال زيد بن سعنة: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا، قال: أنا زيد بن سعنة، قال عمر: حبر اليهود؟ قال: نعم. قال عمر: فما الذي حملك على أن تفعل برسول الله ما فعلت؟ قال زيد: يا عمر والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفته في وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أعرفهما فيه: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شده الجهل عليه إلا حلما، أما وقد عرفتهما اليوم فإني أشهدك أني قد رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيًا ورسولًا.
وشدد على أن على الأمة إن أرادت الفلاح في الدنيا والآخرة أن تتعلم من خلق نبيها -صلى الله عليه وسلم - الأخلاق العالية والخلق الحسن، كما قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
وأشار إلى تميز وتفرد طلاب كلية القرآن الكريم عن طلاب كليات الجامعة، وأنكم ترثون إرثاً عظيمًا، وأنتم المهرة الحفظة لكتاب الله، ورسولنا قال:(الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة).
خاتمًا كلمته للطلاب أن يكونوا بين الناس ضياءً وسراجًا منيرًا، كما كان نبيهم محمد-صلى الله عليه سلم-.
مشددًا على أن رسالة جامعة الأزهر تحمل الوسطية دون الغلو، وفوق التقصير، وهكذا مدح الله أمة محمد-صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وكذلك جعلنكم أمةً وَسَطًا ).
وكما فسر المفسرون هذه الآية: (أن هذه الأمة دون الأنبياء وفوق الأمم).
ومن جانبه قال الدكتور أحمد عبد المرضي، عميد الكلية، أن هذا اليوم هو يوم جني الثمرة، وأنكم أيها الطلاب خيار من خيار من خيار، وأن رسالة سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- جاءت بالتوحيد الخالص، وأنكم أهل الله وخاصته.
مطالبًا الطلاب أن يحفظوا ماتعلموه، وأن يعرفوا قدر شيوخهم وأساتذتهم.
مقدمًا لهم خالص التهاني على تخرجهم، والشكر للجميع.
فيما أوضح الدكتور عبدالفتاح خضر، عميد الكلية السابق، أن حملة القرآن الكريم يحملون سلاحًا ذي حدين، وأن الله يرفع أقوامًا ويخفض أقوامًا.
محذرًا إياهم أن يغتروا بحملهم لكتاب الله، وأنه على قدر التشريف، يكون التكليف، فمن المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه.
مطالبًا إياهم أن يكونوا رجالًا كما عهدهم، وأن يكونوا همزة وصل في صلة الأرحام،
مشددًا على أنه لايجوز الخروج عن مجرة الوسطية، مشيدًا بمنصة بيان التي أنشأها الأزهر الشريف؛ للرد على كل الشبهات.
مطالبًا إياهم أن تكون حياتهم كحياة النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- كما ذكرها الله في القرآن (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فيما أكد الدكتور محمد سليمان، حرص إدارة الكلية على إقامة مثل هذه الاحتفاليات، وأن مثل هذه الأوقات من أسعد الأوقات للأساتذة أن يروا نتاج عملهم، وأن إقامة مثل هذا الحفل هو نتاج سنة حسنة سنّها الدكتور نصر سعيد-رحمه الله- .
مؤكدًا للخرجين عظم المسؤلية التي وضعكم الله فيها (وأنكم ورثة الأنبياء).
موضحًا قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ).
لما قرأها صلى الله عليه وسلم قال: هم أمة محمد، وكلهم في الجنة، سابقنا سابق، ومقتصدنا مغفور له، وظالمنا لنفسه ناج .
مبينًا لهم ضرورة الحفاظ على منهج الأزهر الشريف، وأن يحاولوا ما استطاعوا إعلاء كلمة الإسلام.
وفي ختام الحفل تم توزيع الدروع التذكارية للطلاب الخريجين.