حالة من الجدل أثيرت مؤخرا حول الملياردير الراحل محمد الفايد الذي رحل عن الدنيا العام الماضي، وجاء ذلك بعدما اتهمت 5 عاملات سابقات في متجره الفاخر "هارودز" في لندن بتعرضن للاغتصاب من قِبل "الفايد" رئيس المتجر السابق، الذي بنى إمبراطورية اقتصادية ضخمة بصافي ثروة بلغ 2 مليار دولار ليحتل المرتبة الـ 12 في قائمة أثرياء العرب والمرتبة 1516 عالميًا.
اتهامات بالاعتداء والاغتصاب
واستمعت بي بي سي، إلى شهادات أكثر من 20 موظفة سابقة كشفن إن الملياردير، الذي توفي العام الماضي عن 94 عاماً، اعتدى عليهن جنسياً وتعرضن للاغتصاب على يده، وقامت بي بي سي بإنتاج فيلم وثائقي بعنوان "الفايد: متربص في هارودز" - شهادات وأدلة على هذه الوقائع.
وحسب بي بي سي، قال المحامي بروس دروموند من الفريق القانوني الذي يمثل عدداً من الضحايا: "كانت هناك شبكة عنكبوتية غير معقولة من الفساد والانتهاكات في هذه الشركة، كانت غامضة للغاية"، ووقعت الحوادث المذكورة في لندن وباريس وسانت تروبيه وأبو ظبي، حيث تقول إحدى النساء إن الفايد اغتصبها في شقته بمنطقة بارك لين بلندن، مضيفةً: "لقد أوضحت أنني لا أريد أن يحدث ذلك. لم أعطِ موافقتي. أردت فقط أن ينتهي الأمر".
وتقول امرأة أخرى إنها كانت مراهقة عندما اغتصبها الفايد في منطقة ماي فير، وتضيف: "كان محمد الفايد وحشاً، مفترساً جنسياً بلا بوصلة أخلاقية على الإطلاق. جميع العاملين في هارودز كانوا كألعاب للفايد. كنا جميعاً خائفين للغاية، لقد زرع الخوف في نفوسنا. إذا قال اقفز، كان الموظفون يسألون من أي ارتفاع؟".
وكان قد واجه الفايد - عندما كان على قيد الحياة - ادعاءات بالاعتداء الجنسي.
"بي بي سي" أبرزت مساوي "الفايد"، حيث ذكرت الإذاعة البريطانية أن النساء اللاتي تحدثنا إليهن قلن إن تصويره على أنه لطيف ومحبوب كان بعيداً عن الحقيقة، فتقول صوفيا التي عملت كمساعدة شخصية له من عام 1988 إلى عام 1991 - حسب بي بي سي -: "لقد كان خبيثاً"، وتقول أيضاً إنه حاول اغتصابها أكثر من مرة.
وحسب الإذاعة البريطانية، فأن بعض النساء تنازلن بشكل كامل أو جزئي عن حقهن في عدم الكشف عن هويتهن من أجل التصوير - ووافقت بي بي سي على عدم استخدام الألقاب. واختارت أخريات عدم الكشف عن هويتهن. وتكشف شهاداتهن مجتمعةً عن نمط من السلوك الافتراسي والاعتداء الجنسي من قِبل الفايد.
واستطردت بي بي سي، شهاداتها بقول توني ليمنغ مدير قسم في هارودز من عام 1994 إلى عام 2004: "كنت على علم بإساءة معاملة النساء عندما كنت أعمل هناك". ويتذكر ليمنغ أن الأمر "لم يكن سراً"، ويقول إنه لم يكن على علم بمزاعم الاعتداء أو الاغتصاب الأكثر خطورة، مضيفاً "أعتقد أنه ما دمت أعلم، فالجميع يعلمون. وأي شخص يقول إنه لم يعلم فهو كاذب، أنا آسف".
وقالت سلسلة "هارودز" في بيان، إن هذه التصرفات كانت تصرفات شخص "عازم على إساءة استخدام سلطته" وهو ما ندينه بأشد العبارات، وجاء في البيان "إن هارودز اليوم هي مؤسسة مختلفة تماماً عن تلك التي كان يمتلكها ويسيطرعليها الفايد بين عامي 1985 و2010، إننا مؤسسة تسعى إلى اعتبار رفاهية موظفيها أساساً لكل ما تقوم به".
وقال فندق الريتز في باريس إنه "يدين بشدة جميع أشكال السلوكيات التي لا تتماشى مع قيم المؤسسة".
وتقول المحامية ماريا مُلا - وهي أيضاً ضمن الفريق القانوني الذي يمثل بعض النساء - إن الموكلات يتقدمن الآن بدعاوٍ بعدما كن سابقاً لا يراوحن مكانهن خائفات من التحدث علناً، وتضيف: "يردن أن يكنّ جزءاً من هذه الحركة لمحاسبة الناس على ما حدث لهنّ، ومحاولة التأكد من عدم حدوث هذه الأشياء مرة أخرى في المستقبل من أجل أطفالهم".
بداية مسيرة الفايد في الإسكندرية
بدأت مسيرة الفايد المهنية من شوارع الإسكندرية، حيث كان يبيع المشروبات الغازية للمارة، ولكن زواجه من شقيقة تاجر سلاح سعودي مليونير ساعده على تكوين علاقات جديدة وبناء إمبراطورية تجارية، حيث انتقل محمد الفايد إلى المملكة المتحدة عام 1974، وكان بالفعل شخصية عامة معروفة عندما تولى إدارة متجر هارودز عام 1985، وفي تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الفايد يظهر بانتظام في أوقات الذروة كضيف في برامج الدردشة التلفزيونية والبرامج الترفيهية.
وأصبح الفايد - الذي قُتل ابنه دودي في حادث سيارة إلى جانبأميرة ويلز ديانا، عام 1997 - معروفاً للجيل الجديد من خلال أحدث سلسلتينمن مسلسل "ذا كراون" (The Crown)الذي أنتجته منصة نتفليكس.
وكان ولد الملياردير ورجل الأعمال فى مدينة الإسكندرية بمنطقة رأس التين في 27 يناير 1929، لأب بسيط كان يعمل مدرسًا للغة العربية والأم ربة منزل تقليدية، وعمل الفايد في صغره بعدة أعمال، حيث عمل عتال بضائع بميناء الإسكندرية، ليصل قبل وفاته إلى ثروة ضخمة حيث اصبح يمتلك حوالي 4 طائرات خاصة، وقلعة في اسكتلندا، و3 قصور بلندن وأخر في سويسرا والأخير في فرنسا، ويختا يطلق عليه يخت سوكار، وقيمته تصل إلى 40 مليون دولار تقريبًا.
وبدأ حلم الفايد عندما سافر إلى السعودية من أجل العمل في بيع ماكينات الخياطة، وكون ثروة معقولة وعاد إلى مصر ليبدأ من جديد في العمل بشحن البضائع، وفي عام 1966 تعرف على الملك محمد حسن البقلية سلطان بروناي وأصبح مستشاراً له وتولى إدارة أعماله وثرواته، حينها سافر إلى الإمارات وتحديدا إلى إمارة دبي حيث كان صاحب فكرة تدشين أول مرسى للسفن بدبي.
وانتقل خلال منتصف ستينيات القرن الماضي إلى المملكة المتحدة حيث جمع ثروته، وبدأ العمل في 1975 حيث كان عضوًا في مجلس إدارة لونرهو وهي من أهم الشركات التي تعمل في تقديم الاستثمارات داخل القارة الأفريقية، ولكنه لم يستمر طويلًا فبعد 9 أشهر فقط ترك الفايد مجموعة لونرهو، حيث قام بشراء فندق دورشستر وتوسع من جديد وبعد 5 سنوات اشترى فندق "ريتز كارلتون" في باريس مع شقيقه علي مقابل 20 مليون جنيه إسترليني.
وكان نجاح الفايد سريعًا وكان محط أنظار الجميع، خاصة بعد أن قام بشراء قصر دوق وندسور بفرنسا، وفي محاولة منه لتوطيد علاقاته بالأسرة الحاكمة أرسل محتويات القصر للملكة لتختار ما تريد منها.
وخاض الفايد رحلة إلى ألمانيا لجذب شركات للتنقيب عن البترول في الإمارات، ونجح في التعاقد مع شركة ألمانية كبرى قامت بالتنقيب عن النفط في واستطاعت تحديده واستخراجه، مما جعل الفايد يحصل على عمولة كبرى إضافية، وهو الأمر الذي جعله يستقر في الإمارات ويسهم في مشروعات عملاقة عدة ما زالت من أضخم المشاريع التي تقف في دبي اليوم.
وتوسعت أعمال الفايد، ففي عام 1985 تمكن من الحصول على الحصة الأكبر للأسهم من سلسلة محلات هارودز الشهيرة بنسبة 65% من الأسهم، والتي تشتري منها الأسر الحاكمة فى العالم الملابس وجميع متعلقات القصور الملكية، وفي مارس من ذلك العام استحوذت شركة الفايد للاستثمار والثقة على حصة مسيطرة في هاوس أوف فريزر الشركة الأم لهارودز بالإضافة إلى 100 قسم آخر.
والتقى الفايد بزوجته الأولى سميرة خاشقجي، شقيقة تاجر الأسلحة المليونير السعودي عدنان خاشقجي، التي وظفته في شركة الاستيراد الخاصة به في السعودية، وقد ساعده هذا الموقع في تكوين علاقات جديدة في مصر، وعلى الرغم من أن الزواج لم يستمر لأكثر من عامين إلا أن "الفايد" استمر في إطلاق شركة الشحن الخاصة به، وتزوج من عارضة الأزياء والممثلة الفنلندية هيني واثينعام 1985.
وفي عام 2009، صرح محمد الفايد لصحيفة "صنداي تايمز" بأنه مستعد لأن يصبح أول رئيس لأسكتلندا المستقلة.
ووفقا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية"بي بي سي ، وبالرغم من أن الفايد تقدم بطلب للحصول على الجنسية البريطانية مرتين على الأقل، إلا أن طلباته تم رفضها باستمرار، ووفقا لتقريرها فقد عبر أبناءه مرارا عن رغبته بأن يحنط بعد موته وأن يدفن في قبر في هارودز.
حكاية ديانا ودودي
وبدأت القصة بين دودي "عماد نجل محمد الفايد" وديانا بسبب ملازمته لوالده في أعماله في المملكة المتحدة، وتعرف حينها على الأميرة ديانا التي كانت تعيش في حياة مأساوية مع زوجها وقررت تركه والارتباط بدودي الفايد، ولم تلق قصة الحب بين ديانا ودودي القبول بين الأسرة الحاكمة أو بين الطبقات العليا في بريطانيا، ويقال أن الرفض كان بسبب جنسية عماد الفايد فهو مصري الجنسية، وفي 31 أغسطس عام 1997 عرف العالم الخبر المفزع وهو خبر موت ديانا ودودي في حادث سيارة في نفق بفرنسا، ولم يتردد محمد الفايد ثانية في اتهام الأسرة الحاكمة والمخابرات البريطانية والفرنسية بتدبير الحادث، الأمر الذي زاد من توتر العلاقات بين الفايد والسلطات البريطانية.
ومن هنا يتضح سبب العداء بين الأسرة المالكة أو الحاكمة في بريطانيا ومحمد الفايد، فدخول "الفايد" المفاجئ وسط البلاط الحاكم ومحاولته التودد لها وكسب رضاها جعل "الفايد" غير مرغوب فيه وخاصة إنه أجنبي ومن أسرة فقيرة، وهذا ما اتضح في رفض السلطات البريطانية حصول الفايد على جواز السفر الإنجليزي عدة مرات بجانب رفض الأسرة للعلاقة الغرامية بين الأميرة ديانا ودودي نجل الفايد مما دفع الأب للإدعاء بتخطيط الأسرة الحاكمة للحادث القاتل.