ما زلنا علي تواصل مع سرد قصص وحكاوى الأساطير اليونانية القديمة التي لم يخل منها ذكر اسم جوبيتر مقسم مملكة الأرض وبالأخص إذا كانت القصة متعلقة بالحب وغرام الحوريات الجميلات فسريعاً يقع جوبيتر في غرامهن قد تُروى قصص كثيرة عن الحوريات الجميلات الفاتنات، وكثيرًا ما نزل آلهة أوليمبوس إلى الأرض من أجل جاذبية ربة أرضية رائعة السحر والجمال والتي قد وقع جوبيتر نفسه في غرامها وهي الجميلة والفاتنة إيو ولكن هنا سوف تختلف القصة وتتبدل الأدوار علي عكس قصة غرامه مع أوروبا التي حول نفسه إلي ثور من أجل أن يتقرب منها فهنا قد حول حبيبته إيو إلى بقرة صغيرة خوفاً عليها من غيرة زوجته جونو .
كانت إيو ابنة رب النهر إناخوس، الذي كان هو بدوره ابن أوقيانوس العتيد.
وذات يوم ، بينما كان جوبيتر يتحدث إلى تلك الحورية، لاحظ فجأةً أن عيني جونو زوجته تراقبانه، فنشر من فوره سحابة حول نفسه هو وإيو، ولكن جونو ارتابت في أمر هذه السحابة فأزاحتها، والغيرة تتأجَّج في فؤادها، فإذا بها ترى جوبيتر واقفًا وإلى جواره بقرة صغيرة جميلة؛ وكان قد أسرع جوبيتر على الفور فحول إيو إلى تلك الصورة وهي البقرة الصغيرة؛ لكي يتحاشى غيرت وجنون جونو.
و امتدحت جونو جمال هذه البقرة ، وطلبت من جوبيتر أن يعطيها إياها، فأجابها إلى ما طلبت وهو متردد. فسلمت جونو هذه البقرة إلى خادمها الأمين أرجوس ليحرسها. وكان أرجوس هذا حارسًا بالغ اليقظة؛ إذ له مائة عين تتناوب النوم فيما بينها. وعلى ذلك ما من شيءٍ يمكن أن يشغله عن الحراسة، أو يعمل على شرود انتباهه على الإطلاق. وكما هو جليٌّ قاست هذه البقرة المسكينة كثيرًا من الصعاب في صورتها الجديدة، ولم يكن بوسعها أن تعبر عن محنتها إلا بطريقة لا يفهمها أي فرد، ولكن جوبيتر تذكرها، فأرسل ميركوري ليبعد أرجوس عن طريقه.
تقدم ميركوري من الحارس ذي المائة عين في صورة راعٍ، فجلس إلى جانبه، وأخذ يحكي له القصص، ويعزف على مزاميره. فسُرَّ أرجوس لاهتمام هذا الراعي به، وفي أغلب الأحوال كان على وَشكِ أن ينام، غير أن بعض عيونه يظل دائمًا يقظًا، وأخيرًا شرع ميركوري يقص على مسامع أرجوس قصة اختراع مزامير بان، التي كان يعزف عليها.
قال ميركوري في لهجة رقيقة: «منذ زمن بعيد غابر، أحب الإله بان الحورية سورنكس، ولكنها كانت تابعة وفية للربة ديانا، ولا يمكن أن تنمو بينه وبينها أية علاقة غرامية.» فقالت له: «لقد نذرت حياتي للربة ديانا، فأبقى عذراء ولن أتزوج إطلاقًا.» فلم يُلق بان أي بال إلى حديثها، وحاول أن يطوقها بذراعَيْه، ويضمها إلى صدره اللهيف. فأسرعت تجري صوب نهر قريب، ولكنه جرى وراءها واقترب منها أكثر فأكثر، وكاد يمسك بها، فاستغاثت برب ذلك النهر، وطلبت مساعدته؛ كيلا يغتصبها بان، فهبَّ إلى نجدتها. وبينما كان بان يضمها بين ذراعيه، وجد نفسه لا يحتضن الحورية، بل حزمة من البوص الطويل، فتنهد بان متحسرًا، وفي أثناء تنهده تحركت أنفاسه خلال أعواد البوص في نغمة موسيقية. فعندما لمس الهواء جذوع البوص الجوفاء أحدث نغمة رقيقة عذبة. فلما سَرَّت تلك النغمات بان كسر أعواد البوص، وصنع منها لنفسه مزمارًا، ثم جلس بان على جانب النهر، واستمر مدة طويلة يعزف أناشيد شجية حلوة، استمع إليها الرعاة مبتهجين. وهكذا كان مولد مزامير بان المعروفة باسم «السورنكس».
عندما ختم ميركوري قصته رأى جميع عيون أرجوس نائمة، فقفز على الفور في خِفَّةٍ وقتله، وأطلق سراح إيو، ولكي تكافئ جونو خادمها الأمين أخذت عيونه ونثرتها على ذيل الطاووس، وما زال من الممكن رؤيتها.
ورغم هذا استمرت جونو تطارد إيو. فأرسلت ذبابة من ذباب الخيل؛ لتعذب البقرة المسكينة، ولما برح بهذه البقرة العذاب هربت إلى البحر وسبحت فيه. وما برح ذلك البحر يسمى باسمها «البحر الأيوني». وبعد عدة تجوالات وصلت إيو إلى مصر. ولما وعد جوبيتر زوجته جونو بألا يهتم بعد ذلك بإيو، وافقت جونو على تخليصها من صورتها الحيوانية، وهكذا عادت إيو حورية جميلة كما كانت من قبل.