قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الحكمة في اختصاص ميلاده بيوم الاثنين وبفصل الربيع يقول أبو عبد الله بن الحاج في المدخل : أولاً: ما ورد في الحديث من أن الله تعالى خلق الشجر يوم الاثنين (صحيح مسلم), وفي ذلك تنبيه عظيم, وهو أن خلق الأقوات والأرزاق والفواكه والخيرات التي يتغذي بها بنو آدم ويحيون ويتداوون وتنشرح صدورهم لرؤيتها وتطيب بها نفوسهم وتسكن بها خواطرهم عند رؤيتها لاطمئنان نفوسهم بتحصيل ما يبقي حياتهم على ما جرت به العادة من حكمة الحكيم سبحانه وتعالى, فوجوده صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر في هذا اليوم قرة عين بسبب ما وجد من الخير العظيم والبركة الشاملة لأمته صلوات الله عليه وسلامه.
ثانيا: فصل الربيع فيه تنشق الأرض عما في باطنها من نعم المولى سبحانه وتعالى وأرزاقه التي بها قوام العباد وحياتهم ومعايشهم وصلاح أحوالهم, فينفلق الحب والنوى وأنواع النبات والأقوات المقدرة فيها, فيبتهج الناظر عند رؤيتها وتبشره بلسان حالها بقدوم ربيعها, فمولده عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع فيه إشارة ظاهرة من المولى سبحانه وتعالى إلى التنويه بعظيم قدر هذا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأنه رحمة للعاملين وبشرى للمؤمنين وحماية لهم من المهالك والمخاوف في الدين, وحماية للكافرين بتأخير العذاب عنهم في الدنيا لأجله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال:33].
ثالثا: ما في شريعته من شبه الحال، ألا ترى أن فصل الربيع أعدل الفصول وأحسنها إذ ليس فيه برد مزعج ولا حر مقلق، وليس في ليله ونهاره طول خارق بل كله معتدل, وفصله سالم من العلل والأمراض والعوارض التي يتوقعها الناس في أبدانهم في زمان الخريف، بل الناس تنتعش فيه قواهم وتصلح أمزجتهم، وتنشرح صدورهم, لأن الأبدان يدركها فيه من إمداد القوة ما يدرك النبات حين خروجه إذ منها خلقوا, فكان في ذلك شبه الحال بالشريعة السمحة التي جاء بها صلوات الله عليه وسلامه من رفع الإصر والأغلال التي كانت على من كان قبلنا, قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف:157]