لعل ما يطرح السؤال عن ماذا يحدث لمن يهجر القرآن الكريم؟ هو انشغال الكثيرين بالحياة الدنيا وما فيها من شقاء ومتاع عن القرآن الكريم وهو كلام الله تعالى عز وجل، بما يجعل من معرفة ماذا يحدث لمن يهجر القرآن الكريم ؟، سببًا للرجوع إلى كتاب الله عز وجل.
ماذا يحدث لمن يهجر القرآن؟
- كثرة الهمّ والحزن في الحياة، فالحياة مليئة بالمشاكل والهموم، ومن فقد نور القرآن لن يتمكن من الوقوف في وجه هموم الحياة.
- إظلام النفس، ووحشة القلب، حيث يشعر المسلم الهاجر لكتاب الله بظلمة في نفسه، تنعكس على سلوكه اليومي، وعلى مزاجه العام.
- قلَّة بركة الرزق، فيشعر أنَّ الرزق رغم وفرته باستمرار لا بركة فيه أبدًا، وأنَّه لا يكفي حتى معاشه اليومي.
- نفور في العلاقات الاجتماعيَّة.
- اضطراب النفس، والشعور بالتوتر.
- حرمان العبد من فضل التلاوة والتعبد بها: فقد فوت العبد على نفسه بهجرانه للقرآن أجرًا عظيمًا، وفضلًا كبيرًا.
- الحرمان من شفاعته له يوم القيامة: فقد جاء في الحديث: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»
-تغلب الشيطان وأعوانه من شياطين الجن والإنس: فذكر الله تعالى خير حافظ للعبد، فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.
أسباب هجر القرآن الكريم
أولًا: الانشغال بغير القرآن عن القرآن: فقد أصبح جل اهتمامنا وشغلنا بغير القرآن الكريم مما أدى إلى التشاغل عنه وهجره.
ثانيًا: عدم التهيئة الذهنية والقلبية عند قراءة القرآن الكريم:فعند قراءتنا للقرآن الكريم لا نختار المكان الهادئ، البعيد عن الضوضاء، إذ إن المكان الهادئ يعين على التركيز وحسن الفهم وسرعة التجاوب مع القراءة، ويسمح لنا كذلك بالتعبير عن مشاعرنا إذا ما استُثيرت بالبكاء والدعاء، وعدم لقائنا بالقرآن في وقت النشاط والتركيز بل في وقت التعب والرغبة في النوم.
ثالثًا: عدم القراءة المتأنية والتركيز معها:فعلينا ونحن نقرأ القرآن أن تكون قراءتُنا متأنيةً، هادئةً، مرسلةً، وهذا يستدعي منا سلامة النطق وحسن الترتيل، كما قال تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا».
رابعًا: عدم التجاوب مع القراءة:فالقراءة خطاب مباشر من الله عز وجل لجميع البشر، وهو خطاب يشمل أسئلةً وإجاباتٍ ووعدًا ووعيدًا، وأوامرَ ونواهي، فالتجاوب مع تلك العناصر يساعدنا على زيادة التركيز عند القراءة وعدم السرحان.
كيف يكون هجر القرآن الكريم
بيّن العلماء المقصود بهجر القرآن الكريم في اللغة والاصطلاح، وتفصيل ذلك فيما يأتي: هجر القرآن الكريم لغة: الهجر لغةً الترك والإعراض والبُعد عن الشيء، وهجر القرآن تركه والإعراض عنه.
هجر القرآن الكريم اصطلاحا: هو الابتعاد عن القرآن الكريم وترك تلاوته وتدبّر آياته وأحكامه، وعدم تطبيق أوامره وما جاء فيه، واللهو عنه ونسيانه، والافتراء بكلامٍ ليس فيه بغير حق، وعدم الإيمان اليقينيّ به.
وقد اختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)،وفُسّر الهجر هنا بعدّة أقوالٍ منها:
من الهُجر؛ أي وصف القرآن بأوصافٍ ليست فيه، والقول السيء فيه بغير الحق؛ كالزعم بأنه سحرٌ أو شعرٌ، أو أساطير الأوّلين. إعراض المشركين عن القرآن الكريم، والابتعاد عنه وعن سماعه. ترك القرآن الكريم بالكلية، وعدم الالتفات لما فيه، وعدم الإيمان والتصديق الجازم به وبما جاء فيه، وترك العمل به، وعدم التأثّر بوعده ووعيده. رفع الأصوات عند سماعه حتى لا يستمع فاعل ذلك لما فيه من الأحكام والإنذار والعظة. ترك تلاوة القرآن الكريم، وكلما تباعدت المدة بترك تلاوته تحقّق الهجر أكثر.
ولم يحدّد العلماء عدداً معيناً للأيام التي تعدّ عدم القراءة فيها للقرآن هجراً، لكن هناك بعض الروايات لأهل العلم في مدّة ختم القرآن الكريم، فقيل إنه على المسلم قراءة القرآن الكريم كاملاً في السنة الواحدة مرّتين، فيكون بذلك قد أدّى حقّه، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وقيل يُكره تأخير ختم القرآن أكثر من أربعين يوماً بلا عذر، وهو قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد توعّد الله -سبحانه وتعالى- من أعرض عن القرآن الكريم بالوعيد الشديد يوم القيامة، قال الله سبحانه وتعالى: (مَن أَعرَضَ عَنهُ فَإِنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيامَةِ وِزرًا خالِدينَ فيهِ وَساءَ لَهُم يَومَ القِيامَةِ حِملًا)، وأما في حياته الدنيا فتكون مليئةً بالهموم والضيق وعدم الطمأنينة والراحة، قال الله تعالى: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَةِ أَعمى).
أنواع ومظاهر هجر القرآن
ورد أن هناك أنواعًا ومظاهرًا عديدة لهجر القرآن الكريم بعضها أشدُّ من بعض، منها:
- هجر سماعه والإصغاء إليه وعدم احترامه؛ بإكثار اللهو والكلام واللغو أثناء تلاوته.
- هجر العمل بما جاء به بعدم تطبيق أوامره واجتناب نواهيه؛ فالقرآن الكريم كتابٌ نزل حتى يكون منهج حياةٍ للمؤمن.
- هجر التحاكم إليه في أصول الدين؛ فقد وضع القرآن الكريم التشريعات اللازمة والمناسبة لحل الاختلافات بين الناس، وقد نهانا الله عز وجل عن الاحتكام لغير القرآن الكريم، فهو شريعة المؤمن ومنهاجه في دينه ودنياه.
- هجر تدبّره وفهمه؛ فقد أنزل الله القرآن الكريم لنا حتى نتدبّر ما فيه ونفهم معانيه ومقاصده، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
- هجر الاستشفاء والتداوي به؛ فقد نزل القرآن حتى يكون شفاء ورحمة للمؤمنين، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).