فازت الكاتبة فاطمة الشرنوبي بروايتها «شباك المنور»، بجائزة خيري شلبي، معتبرة ذلك شرف ووسام على صدرها، خاصة وأن خيري شلبي كان أيقونة أدبية تجسد الإبداع المتفرّد والواقعية العميقة في الأدب العربي، حيث استطاع ببراعة نادرة أن ينقل تفاصيل الحياة اليومي.
في حوارها مع موقع صدى البلد قالت الشرنوبي، إن روايتها الفائزة تدور حول فتاة مراهقة تراقب العالم المتغير من حولها، وتعكس تأثير الزمن على الأشخاص والأماكن.
وأضافت أن الساحة الأدبية في مصر اليوم مثيرة للاهتمام، فهناك تنوع كبير في الأنواع الأدبية مثل أدب الخيال العلمي والفانتازيا، وكذلك الرواية النفسية، التي كانت أقل حضورًا في الأدب المصري في السابق، هذا التنوع يُعبر عن مدى الانفتاح الذي بدأ يظهر في مشهد الكتابة، حيث يتجه الكثير من الشباب لاستكشاف مناطق جديدة من الإبداع، وهذا يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا على الحيوية التي تتمتع بها الساحة الأدبية الحالية.
في البداية كيف استقبلت خبر حصولك على جائزة خيري شلبي؟
استقبال خبر الحصول على جائزة خيري شلبي كان لحظة مفعمة بالفخر والتأثر العميق، أن أتلقّى جائزة تحمل اسم قامة أدبية كبيرة شرف ووسام على صدري، خيري شلبي كان أيقونة أدبية تجسد الإبداع المتفرّد والواقعية العميقة في الأدب العربي، حيث استطاع ببراعة نادرة أن ينقل تفاصيل الحياة اليومية بشفافية آسرة وبسلاسة مذهلة، ليحول التجارب البسيطة إلى لوحات أدبية غنية بالمعاني الإنسانية والاجتماعية، والاعتراف باسمي في جائزة تحمل اسمه يمثل دافعًا كبيرًا لي لمواصلة السعي نحو تطوير تجربتي الأدبية والإسهام في إثراء المشهد الثقافي، خيري شلبي هو صاحب "وكالة عطية" و"الوتد" وغيرها التي شكلت جزءا كبيرا من وعينا الثقافي والفني حيث تحولت إلى أعمال درامية عظيمة.
أكثر ما أسعدني في هذا التكريم هو حيثيات الحكم والقرار الذي أعلنت عنها لجنة التحكيم بعد إعلان الفوز كتتويج لتلك السنوات الخمس والتي عملت فيها بدأب وشغف حقيقيين حتى وصلت بالرواية إلى هذه النسخة.
"شباك المنور" روايتك الفائزة .. ماذا تتناول؟ وما كواليسها؟
منذ سنوات عديدة، سيطرت فكرة الرواية على ذهني، وبدأت في تحويلها إلى فقرات جميعها تدور حول فتاة مراهقة تراقب العالم المتغير من حولها، تعكس الرواية تأثير الزمن على الأشخاص والأماكن، فكما يترك بصماته على البشر يتركها على الأماكن أيضا، قادتني تطورات النص إلى أبحاث متعمقة شملت اعتصام شباب جامعة القاهرة في ستينات القرن الماضي، والقصائد التي كتبت من رحم نكسة 67، وممارسات الختان لفتيات تجاوزن مرحلة الطفولة، بالإضافة إلى دراسة الأمراض النفسية والهلاوس، كانت هذه الأبحاث مدفوعة بشغف عميق واهتمام كبير.
وهل هي أول عمل لك؟
الجائزة هي للعمل الروائي الأول غير المنشور.
حدثينا عن بدايتك الإبداعية.. ومن شجعك على الاستمرار؟
بدايتي الإبداعية الحقيقية بدأت منذ الطفولة، منذ المرحلة الإبتدائية، كنت أكتب الشعر وأرتجله أحيانا، كنت كلما شعرت بحزن ركضت نحو مكتبي الصغير أفتح صفحة جديدة في دفتر أو أنزع قصاصة ورق أكتب أبيات شعر، تحول الشعر مع الوقت تلقائيا إلى نصوص نثرية قصيرة، وتطوّر الأمر حتى وُلدت فكرة الرواية من رحم كل التجارب الكتابية السابقة وصارت نصّا روائيا ملموسا.
من هو مثلك الأعلى في الكتابة؟ وماذا يمثل لك؟
النصوص الأدبية نفسها هي التي تلهمني وأرى فيها أمثلة تُشكل لدي مفهومًا عن الكتابة المثالية، بالنسبة لي، هناك مجموعة من الأعمال الأدبية التي تعتبر بالنسبة لي نماذج مختلفة ومغايرة، على سبيل المثال، "قشتمر" لنجيب محفوظ تعد تحفة فنية في قدرتها على استحضار الزمن والشخصيات، أعتبرها درسًا في فن السرد والواقعية وتطوير الشخصيات مع تطور الزمن والمكان في آن واحد.
أما "لا أحد ينام في الإسكندرية" لإبراهيم عبد المجيد فهي نموذج مثال للكتابة الملحمية الذي يفتح آفاقًا جديدة لكتابة الرواية التاريخية والاجتماعية، فهي من الأعمال التي تمكنت من تقديم مدينة بأكملها بكل تعقيداتها وتنوعاتها كأنها كائن حي، في فترة تموج فيه هذه المدينة بحروب قاسية وأحداث فارقة في تاريخ الدولة والمجتمع، أما "عداء الطائرة الورقية" لخالد حسيني فتجمع ببراعة بين الحميمية الإنسانية والقضايا المجتمعية الكبرى، هذا النوع من الأدب يُظهر كيف يمكن للقصص الفردية أن تعكس آلام وأمال أمة بأكملها، كما أن "تأملات" لفرانز كافكا تُمثل بالنسبة لي درسا في الكتابة المكثفة وفي تحويل التفاصيل الصغيرة العابرة إلى نص إبداعي يعكس تساؤلات فلسفية ووجودية دون أن يقدم إجابات محددة.
هل تري أن هناك فجوة بين كبار الكتاب وصغارهم من الشباب؟
أعتقد أن "فجوة" هي كلمة غير دقيقة، ولكن يمكنني القول إن التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة لها تأثير على العملية الإبداعية والثقافة.
من جهة كبار الكتاب، هناك جيل تشكّل في فترة زمنية مختلفة، حيث كانت مصادر المعرفة أقل انتشارًا وقنوات التواصل مع الجمهور محدودة ووسائل النشر ليست كما اليوم، وتأثر الكتاب بظروف سياسية واجتماعية لم نختبرها بنفس المستوى اليوم، مثل الحروب في 1967 و 1973.
أما جيل الشاب اليوم والذي أنتمي إليه، فهو يعيش في عالم مختلف تمامًا، التكنولوجيا والصفحات الزرقاء جعلت الوصول إلى المعلومات سريعًا، وأصبح الأدب أكثر تنوعًا وتأثرًا بالتيارات العالمية، الكتاب الشباب غالبًا ما يتميزون بالجرأة في التعبير، والتحرر من التقاليد الأدبية الصارمة، ويهتمون بقضايا فردية وشخصية قد تكون مرتبطة بالهوية الفردية أو التجارب الحياتية اليومية.
هذا الفارق الكبير بين الأجيال أحيانًا يُفسر على أنه اختلاف في الرؤية والاهتمامات، غير أنه في الحقيقة تعبير عن تطور طبيعي ومنطقي، بل إنه يثري المشهد الثقافي ويجعله أكثر حيوية.
كيف تشاهدين الساحة الأدبية في الوقت الحالي؟
أعتقد أن الساحة الأدبية في مصر اليوم مثيرة للاهتمام، فهناك تنوع كبير في الأنواع الأدبية مثل أدب الخيال العلمي والفانتازيا، وكذلك الرواية النفسية، التي كانت أقل حضورًا في الأدب المصري في السابق، هذا التنوع يُعبر عن مدى الانفتاح الذي بدأ يظهر في مشهد الكتابة، حيث يتجه الكثير من الشباب لاستكشاف مناطق جديدة من الإبداع، وهذا يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا على الحيوية التي تتمتع بها الساحة الأدبية الحالية.
كما أن لوسائل التواصل الاجتماعي على الأدب تأثيرا لا يمكن إنكاره، أصبح الكتاب الشباب ينشرون أعمالهم عبر منصات إلكترونية بشكل مباشر، مما يتيح لهم سرعة الوصول إلى جمهور واسع من القرّاء.
ففي المجمل، أرى أن الساحة الأدبية المصرية تعيش حالة من التنوع والثراء يجب استثمارها بشكل سليم وجديّ بالدعم والتمويل والاهتمام الإعلامي.
ما هو أقرب عمل قرأتيه لقلبك حدثينا عن كيف أثر فيك؟
في الحقيقة ليس هناك عمل بعينه أعدّه الأقرب لقلبي غير أن هناك أعمال قد أشرت إليها سابقا قد تأثرت بها أضيف إليها النوفيلا "قاع المدينة" ليوسف إدريس، العمل ينقل التعقيد في الواقع المصري في فترة مّا بأسلوب صادق ومؤثر، حيث يأخذ النص القارئ في رحلة إلى قاع المدينة (حرفيا ومجازيا) ويصوّر القاع الاجتماعي والشخصيات التي تعيش على الهامش، يوسف إدريس نجح في نقل معاناة هذه الشخصيات دون أن يقع في فخ التهويل أو الاستعطاف المبتذل، بل قدمها بواقعية شديدة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
من وجهة نظرك ماذا يحتاج الشباب المبدع للاستمرار في الكتابة؟
الشباب المبدع يحتاج إلى عدة عوامل مهمة للاستمرار في الكتابة والإبداع، تتجاوز الموهبة والشغف، هذه العوامل تتنوع بين الحاجة إلى المساحة الحرة للتعبير، الدعم الثقافي والمؤسسي، التواصل مع الوسائل الإعلامية الكبيرة.
في النهاية، الاستمرارية في الكتابة تتطلب مزيجًا من الموهبة والشغف ودعم البيئة المحيطة.
الكثير من الجوائز الأدبية تواجه اتهامات بالمجاملة والمحسوبية.. ما تعليقك؟
الاتهامات بالمجاملة والمحسوبية في الجوائز الأدبية هو مفهوم فضفاض لا يرتكز على أي أسس، الأدب هو نوع من الفنون، والفنون تخضع في النهاية إلى الذائقة الشخصية التي لا يتفق عليها اثنين.
كما أنه من المستحيل استمرار أي جائزة أدبية بالمجاملات والمحسوبيات لأن الكتّاب والمبدعين الحقيقيين سينفضّون من حولها ولا أعتقد أن هناك أي جائزة يرغب القائمون عليها في أن تنطفئ أو أن تندثر.