لعل استفهام ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره وهل يتكلم مع من يزوره ؟، يعد أحد الأسرار الخفية عن أهل القبور التي تهم الكثيرون ممن فارقهم أحبابهم وانتقلوا إلى عالم البرزخ، إلا أن سبب زيادة أهمية معرفة ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره وهل يتكلم مع من يزوره
؟، هو ارتباطه بأحد وصايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بزيارة القبور والدعاء للميت ، حتى أنه يمكن القول أن استفهام ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره وهل يتكلم مع من يزوره
؟، فيه مزيد من الطمأنينة والبر والخير والعجب كذلك، ومن ثم ينبغي الوقوف عنده.
ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره
قالت دار الإفتاء المصرية ، إنه من المقرر أن الإنسان إذا مات فإنَّ موته ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ بل هو انتقال من حياة إلى حياة؛ فيكون مدركًا لكل ما حوله يشعر بمَن يزوره ويرد عليه السلام إذا سلم عليه؛ وهذا ممَّا ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث متعدّدة؛ ثبوتًا لا مطعن فيه، ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت، بل نقل الأئمة إجماع السلف وأهل السنة على إثبات إحياء الله تعالى لعموم الموتى في قبورهم.
وأوضحت “ الإفتاء ” في إجابتها عن سؤال : ماذا يحدث للميت عند زيارة قبره وهل يتكلم مع من يزوره ؟، أن الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا.
وتابعت: وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأموات في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ».
وأشارت إلى أنه إذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين السمع والإدراك -مع ما هم فيه من سوء العاقبة- فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.
واستندت لما قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان" (6/ 129، ط. دار الفكر): [اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه: هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من كلّمهم.. وإيضاح كون الدليل يقتضي رجحان ذلك مبني على مقدّمتين: الأولى منهما: أن سماع الموتى ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث متعدّدة؛ ثبوتًا لا مطعن فيه، ولم يذكر صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت.والمقدمة الثانية: هي أن النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وآله وسلم في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ولا في السنة شيء يخالفها] اهـ.
وأضافت: كما أن الموت في حق الأنبياء والصالحين ارتقاء إلى حياة أكمل ودرجة أسمى؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأنبياء بأنهم أحياء في قبورهم يصلون، كما نص القرآن على حياة الشهداء، في نحو قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154].
وبينت أنه قد جاءت في ذلك كله أحاديث كثيرة:- كحديث عرض الأعمال على المصطفى واستغفاره لنا صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قال: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ؛ تُحْدِثُونَ وَيَحْدُثُ لَكُمْ. وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ: فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ» أخرجه البزار في "مسنده"، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"، والديلمي في "مسند الفردوس"، وصححه جمع غفير من الحفاظ؛ كالإمام النووي وابن التين والقرطبي والقاضي عياض والحافظ ابن حجر والحافظ السيوطي في "الخصائص الكبرى"، والمناوي في "فيض القدير"، والملا علي القاري، والخفاجي في "شرح الشفا"، والزرقاني في "شرح المواهب"، وقال الحافظ العراقي في "طرح التثريب": إسناده جيد، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": ورجاله رجال الصحيح.
واستطردت : بل نقل الأئمة إجماع السلف وأهل السنة على إثبات إحياء الله تعالى لعموم الموتى في قبورهم: قال الإمام سيف الدين الآمدي الشافعي في "أبكار الأفكار" في أصول الدين (4/ 332، ط. مطبعة دار الكتب والوثائق القومية): [اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، وأكثرهم بعد ظهوره، على إثبات إحياء الموتى في قبورهم] اهـ.
ودللت بما قال الإمام القرطبي المالكي في "التذكرة" (ص: 369، ط. مكتبة دار المنهاج): [الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره برد الحياة إليه ويجعله من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه؛ ليعقلَ ما يُسْأَلُ عنه وما يُجيبُ به، ويفهمَ ما أتاه من ربه وما أعد له في قبره من كرامة أو هوان. وبهذا نطقت الأخبار عن النبي المختار، صلى الله عليه وسلم وعلى آله آناء الليل وأطراف النهار، وهذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعةُ مِن أهل الملة، ولم تفهم الصحابةُ الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم مِن نبيهم عليه السلام غيرَ ما ذكرنا. وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرًّا، ولقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه -لما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بفتنة الميت في قبره وسؤال منكر ونكير وهما الملكان له-: يا رسول الله، أيرجع إليَّ عقلي؟ قال: «نعم»، قال: إذًا أكفيكهما؛ والله لئن سألاني سألتُهما، فأقول لهما: أنا ربي الله، فمن ربكما أنتما؟] اهـ.
وأفادت بأنه قال الإمام المجتهد تقي الدين السبكي الشافعي في كتابه "شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام" (ص: 425، تحقيق: حسين شكري): [وقد أجمع أهلُ السُّنّة على إثبات الحياة في القبور؛ قال إمام الحرمين في "الشامل": "اتفق سلف الأمة على إثبات عذاب القبر، وإحياء الموتى في قبورهم، ورد الأرواح في أجسادهم] اهـ. وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في "الأمد الأقصى في تفسير الأسماء الحسنى": [إن إحياء المكلَّفين في القبر وسؤالهم جميعًا لا خلاف فيه بين أهل السنة] اهـ.
هل يتكلم الميت مع من يزوره
ونوهت بأنه ورد في الشريعة مشروعية مخاطبة عموم الموتى وأعيانهم في حياتهم البرزخية، وأظهر مثال على ذلك أن من ألفاظ التشهد قول المصلِّي: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، وهو خطاب صريح للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى، وصح عن الصحابة من غير نكير أنهم خاطبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ فروى البخاري في "صحيحه" أن أبا بكر الصديق كشف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، فقبَّله وقال: "بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا"، ثم خرج، وروى أيضًا أن السيدة فاطمة رضي الله عنها قالت بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه".
ولفتت إلى أن مشروعية مخاطبة الأموات ليست خاصَّةً بالأنبياء؛ فقد روى البيهقي في "السنن الكبرى" أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال: "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه"، بل ورد ذلك أيضًا في غير الأنبياء وكُمَّل الأولياء؛ فصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ، إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ».
واستشهدت بما ورد في رواية: «إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ، وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» رواه ابن أبي الدنيا في "القبور"، والصابوني في "المائتين"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن عبد البر في "الاستذكار" و"التمهيد"، والخطيب في "تاريخ بغداد"، وصححه ابن عبد البر، وعبد الحق الإشبيلي في "أحكامه"، والعراقي في "تخريج الإحياء"، والمناوي، واحتج به ابن القيم الحنبلي في كتاب "الروح" (ص: 5، ط. دار الكتب العلمية)، ونقل ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/ 331) عن ابن المبارك أنه قال: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولفتت إلى أنه كما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبة موتى الكفار، فقد ورد عنه أيضًا مخاطبة موتى المؤمنين والمسلمين؛ وذلك في السلام على أهل المقابر، وكان يُعَلِّم أصحابَه إذا خرجوا للمقابر أن يخاطبوا الموتى بقولهم: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ» رواه مسلم وغيره. كما ورد في الشرع أيضًا تلقين الميت، ولولا أنه يسمع التلقين وينتفع به لَمَا شُرِعَ ذلك.
وذكرت أنه قال الشيخ ابن القيم الحنبلي في كتاب "الروح" (ص: 13): [وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أُمّةً طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولًا وأوفرها معارف تُطْبِقُ على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر، بل سَنَّهُ الأول للآخر ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن المخاطَب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبةً على استقباحه واستهجانه] اهـ. ومما ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
حكمزيارة قبر الميت
ورد أن زيارة قبر الميت هوسُنة ووصية عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، حيث إنه –صلى الله عليه وسلم- حثنا علىزيارة القبورللعظة والاعتبار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة»،ومنأدب زيارة القبورالثابت في السنة النبوية الشريفة، أن يقول الزائر لأهل القبور «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون».
وورد أن وضع الزرع على القبر له أصل؛ بفعله صلى الله عليه وسلم ذلك، فعن ابن عباس-رضي الله عنه-، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة، أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذبان، وما يعذبان في كبير» ثم قال: «بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة»، ثم دعا بجريدة، فكسرها كسرتين، فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: «لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا» أو: «إلى أن ييبسا».