في رحلة استكشافية داخل عمق التاريخ الاقتصادي المصري، كشفت هبة حسن الباحثة والمعيدة بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة القاهرة، عن الدور المحوري لبنك مصر في صناعة المنسوجات خلال فترة حاسمة امتدت من عشرينيات إلى ستينيات القرن الماضي.
رسالتها التي حملت عنوان "بنك مصر وصناعة المنسوجات"، فتحت نافذة على حقبة شهدت صراعًا بين الرأسمالية الوطنية والرأسمالية العالمية، وتأثير ذلك الصراع على صناعة حيوية كصناعة النسيج.
كيف تمكن بنك مصر من أن يكون محركًا للتغيير في هذه الصناعة؟ وما هي التحديات التي واجهها؟ وما هي الدروس المستفادة من هذه التجربة؟ أسئلة نطرحها على الباحثة هبة حسن في هذا الحوار.
في البداية ما الذي تناولته الرسالة تحديدًا؟
تحدثت في رسالتي عن الدور الرائد الذي قام به بنك مصر في صناعة المنسوجات ودعمها، إذ أسس كبرى شركات الغزل والنسيج، ومنها شركات لحلج القطن وتصديره للخارج، وأخرى للغزل والنسيج. ومنها شركة مصر لحليج الأقطان وشركة مصر لتصدير الأقطان كما تم إنشاء شركات بالمحلة الكبرى، وأخرى لغزل الحرير في منطقة حلوان، وغيرهم الكثير.
هل تعتقدين أن بنك مصر نجح في تمصير هذه الصناعة؛ أي صناعة القطن؟
بالتأكيد.. بنك مصر قام بهذه التجربة في محاولته لتمصير صناعة القطن؛ لذلك دعم المشروعات الوطنية الخاصة بصناعة القطن.
كما عمل على تخزين القطن في شون تابعة للبنك ذاته وقد استطاع البنك في نهاية الأمر دحض المقولة التي كان الاستعمار دائمًا ما يروج لها، والتي تقول إن مصر بلد زراعية لا تصلح أن تكون بلدًا صناعية. لذلك فقد أثبت طلعت حرب بفضل مشروعه الوطني الأصيل أن هذه المقولة غير حقيقية بالمرة. إذ استطاعت مصر أن تصبح في فترة وجيزة بلدًا صناعية، والدليل على ذلك هو الكم الهائل من مصانع الغزل والنسيح الذي تم افتتاحه.
من وجهة نظرك ما المكتسبات التي تحققت نتيجة هذه الخطوة؟
وجود بنك مصر والشركات الوطنية في ذلك الوقت، حقق لمصر قدر من الاستقلال الاقتصادي كما حد من مشكلة البطالة خلال هذه الفترة، فهذه المؤسسات وبفضل نجاحها استطاعت توظيف آلاف العمال، والموظفين.
لماذا اخترت هذا الموضوع تحديدًا ليكون عنوانًا لرسالتك؟
دائمًا كنت أتساءل وأقول: لماذ لم يكن هناك بنكًا وطنيًا خلال هذه الفترة؟ لذلك دفعني الشغف لمعرفة الكثير من الأسرار حول تأسيس بنك مصر. فهدف البنك لم يكن تجاريًا بحتًا، بل هدفه كان اقتصادي وصناعي. فمن أهم أهدافه هو تمويل الصناعة. وصناعة الغزل والنسيج في هذه الفترة داخل مصر كانت متأخرة جدًا لأنها كانت تعتمد على الأنوال اليدوية وما إلى ذلك. لهذا عندما فكر المصريون في الاستقلال عن بريطانيا سياسيًا كان لابد من الاستقلال اقتصاديًا، فقد حاول البنك تأسيس صناعة قومية وطنية داخل البلاد، وهذا ما تحقق بالفعل، من خلال تأسيس شركات مساهمة مصرية. وطرحها للاكتتاب للمصريين.
والملاحظ أيضًا أن طلعت حرب قد طرح السهم الواحد في الشركة بمبلغ 4 جنيهات فقط، أما الشركات الأجنبية في هذا التوقيت فكانت تضع مبلغًا حوالي 10 جنيهات؛ لذلك حفز حرب المصريين على شراء الأسهم.
لكنه في النهاية قرر طرح بعد الحصص للأجانب.. لماذا اتخذ هذا القرار؟
هناك شركات أجنبية اشترت فيما بعد أسهم في هذه الشركات المصرية، وقد سمح طلعت حرب بذلك رغم رفضه الأمر.
لكنه اضطر نظرًا لأن بريطانيا خافت من نجاح التجربة، وتفاديًا لفرض عوائق بريطانية على الصناعات المصرية، إذ رغبوا في عمل صناعة مستقلة خاصة بهم داخل مصر، لذلك قرر طلعت حرب إشراكهم في بعض الصناعات المحلية، حتى لا ينفردوا بهذه الصناعات. ولكنه وضع لهم قواعد وشروط معينة. مثل نقل الخبرات الأجنبية للمصريين بالنسبة لصناعة الغزل والنسيج.
فهذه الصناعات كانت مزدهرة في بريطانيا خصوصًا مدينة مانشستر. وهذا ما تم بالفعل فعندما عرف العمال المصريين بطبيعة هذه الصناعة استطعنا بعدها الاستغناء عن الخبرات الأجنبية بشكل كامل، وتقليص عددهم داخل الشركات المصرية.