"هذه أرضنا، ولن نرحل عنها، وسنبقى نقاوم حتى تتحرر فلسطين، كل فلسطين.".. بهذه الكلمات التي قالها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والتي تجسد إصرار الشعب الفلسطيني على حقوقه، نستعيد مشهد جلل بالأسبوع الماضي يمثل لحظة تاريخية لفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث حصلت لأول مرة على مقعد بين الدول الأعضاء.
اعتُبر هذا الإنجاز خطوة هامة نحو الاعتراف الدولي بحقوق الفلسطينيين، حيث جلس مبعوث السلطة الفلسطينية، رياض منصور، على طاولة تحمل اسم "دولة فلسطين" بين دولتي سريلانكا والسودان.
هذا التحرك، الذي أثار مشاعر الفخر والاعتزاز لدى الفلسطينيين والعرب وكل المتضامنيين، لم يمر دون اعتراضات من قبل إسرائيل، التي رأت فيه محاولة لتكريس شرعية الدولة الفلسطينية على الساحة الدولية، بينما اعتبرته دول أخرى دعمًا مستحقًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
وشاركت البعثة الفلسطينية الدائمة لدى الأمم المتحدة مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه سفير جمهورية مصر العربية ورئيس الجمعية العامة يؤكدان على ترتيب الجلوس الجديد لوفد دولة فلسطين. وقال السفير المصري أسامة عبد الخالق: "هذا ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو لحظة تاريخية بالنسبة لنا."
في المقابل، لم تكن إسرائيل سعيدة بهذه الخطوة، زاعمة أنها جاءت نتيجة تحيز سياسي، وأن حقوق العضوية يجب أن تكون محفوظة فقط للدول الأعضاء.
وقال جوناثان ميلر، نائب السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة: "أي قرار أو إجراء يحسن من وضع الفلسطينيين هو حاليًا مكافأة للإرهاب بشكل عام ولإرهابيي حماس بشكل خاص."
ويأتي المقعد لوفد فلسطين في ظل محاولات متكررة من قبل إسرائيل لعرقلة محادثات السلام التي قد تؤدي إلى قبول دولي لدولة فلسطين، التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988. وتم الاعتراف بها من قبل 145 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، لكن إسرائيل وكثير من حلفائها لا يزالون يرفضون قبول الدولة الفلسطينية، رغم وجود أشكال أخرى من الاعتراف.
وفي ظل هذه التحديات، تنعقد الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة برئاسة فيليمون يانج في نيويورك، حيث تركز على حل الأزمات والصراعات في غزة وهايتي وأوكرانيا، إلى جانب معالجة قضايا الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ. وفي هذا السياق، لم تُمنح فلسطين العضوية الكاملة بعد، لكنها تواصل السعي بقوة للحصول على هذا الاعتراف في الأمم المتحدة.
في حين أن فلسطين ليست عضوًا كاملاً في الجمعية، فإنها تسعى للحصول على العضوية الكاملة فيالأمم المتحدة. بعد تصويت في أبريل الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد محاولتها السابقة لتصبح دولة عضو.
في أبريل الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد محاولة سابقة لفلسطين للحصول على العضوية الكاملة. ومع ذلك، وفي خطوة إيجابية أخرى، دعمت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 مايو الماضي محاولة فلسطين للانضمام كدولة عضو كاملة، وأوصت مجلس الأمن الدولي "بإعادة النظر في الأمر بشكل إيجابي." وأكدت الجمعية أن الفلسطينيين يستحقون العضوية الكاملة، مما يمنحهم حقوقًا إضافية، مثل صفة المراقب والقدرة على تقديم مقترحات وتعديلات.
تمت الموافقة على القرار بأغلبية 143 صوتًا مقابل تسعة أصوات معارضة، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع 25 دولة عن التصويت. ورغم هذا الدعم الكبير، يتطلب حصول فلسطين على العضوية الكاملة تصويتًا من الجمعية العامة وتوصية من مجلس الأمن.
من المرجح أن تصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل على مشروع قرار فلسطيني يطالب إسرائيل بإنهاء "وجودها غير القانوني" في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون ستة أشهر.
وتلعب الجمعية العامة للأمم المتحدة دوراً حيوياً في دعم حقوق الفلسطينيين من خلال اتخاذ قرارات تعزز من مكانة فلسطين على الساحة الدولية، وتؤكد على حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة. وتعتبر الجمعية العامة منبراً مهماً للفلسطينيين لعرض قضيتهم، خاصة في ظل عدم قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرارات ملزمة في هذا الشأن بسبب حق الفيتو الذي تستخدمه الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة.
كما أن الجمعية العامة تعد منبرًا دوليًا لإبراز الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك التوسع الاستيطاني واستمرار العدوان الغاشم علي غزة منذ أكتوبر الماضي، وهي انتهاكات تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وتعد هذه القرارات تعبيراً عن الإرادة الدولية الرافضة لهذه الممارسات والداعمة لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
رغم ذلك، تستمر الجهود الدبلوماسية الفلسطينية في العمل على حشد الدعم الدولي، ليس فقط من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن أيضاً عبر المحافل الإقليمية والدولية الأخرى. تسعى القيادة الفلسطينية إلى بناء تحالفات قوية مع دول الجنوب العالمي، وتعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية والإفريقية والآسيوية لدعم مساعيها في الحصول على العضوية الكاملة.
ختامًا، يبقى حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة هدفًا مستمرًا، ويُعَدُّ اختبارًا للإرادة الدولية في دعم حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.