تنظم المشيخة العامة للطرق الصوفية، غداً الأحد، موكبا صوفيا في ذكرى المولد النبوي الشريف، غداً الأحد، بحضور الآلاف من رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للطرق الصوفية ومشايخ الطرق الصوفية والمريدين.
الاحتفال بذكرى المولد النبوي
ينطلق الموكب عقب صلاة العصر من مسجد سيدي صالح الجعفري إلى مسجد الحسين ويتخلل عقب الوصول ترديد أناشيد الصلاة المحمدية مجمعة، ومن ثم بدء احتفال المشيخة العامة عقب صلاة المغرب داخل المسجد بحضور لفيف من القيادات الدينية البارزة.
يأتى ذلك بعد النجاح الكبير في التنظيم والمشاركة، حيث دعت الطرق الصوفية مريديها بالاستعداد لموكب المولد النبوي، والذى ينطلق يوم 12 ربيع الأول، حيث إن الطرق الصوفية لها ثلاثة مواكب كل عام، وهي موكب رأس السنة الهجرية، والمولد النبوي، ورؤية هلال شهر رمضان المبارك.
حكم صيام يوم المولد النبوي
أوضحت دار الإفتاء المصرية، عن حكم صيام يوم المولد النبوي، حيث أكدت أنه يجوز شرعًا صوم يوم المولد النبوي الشريف شُكرًا لله- تعالى- على هذه النعمة الكبرى؛ وهذا النوع من الصيام فعله النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-؛ فقد مَرَّ بأُناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال: «مَا هَذَا مِنَ الصَّوْمِ؟» قالوا: هذا اليوم الذي نجَّى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام موسى عليه السلام شكرًا لله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى، وَأَحَقُّ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ»، فأمر أصحابه بالصوم. أخرجه أحمد.
وأوضحت دار الإفتاء إن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم العطرة مليئة بالمواقف والأحداث التي تعلمنا قيمًا إنسانية راقية تستقيم معها الحياة وتُعمَّر بها الأرض، إذا ما ترجمناها إلى واقعٍ عملي في حياتنا؛ فهو صلى الله عليه وآله وسلم القدوة المطلقة؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
المولد النبوي ليس بدعة
الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات وأجل الطاعات؛ لما فيه من التعبير عن الحب والفرح بمولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو أصل من أصول الإيمان؛ حتى أقسم الله عز وجل بحياته؛ فقال في كتابه العزيز: «لعمرك» [الحجر: 72]، ووعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» أخرجه الشيخان.
قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري": «محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك».
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
والمراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي: تجمع الناس على ذكره، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة سيرته العطرة، والتأسي به، وإطعام الطعام على حبه، والتصدق على الفقراء، والتوسعة على الأهل والأقرباء، والبر بالجار والأصدقاء؛ إعلانا لمحبته، وفرحا بظهوره وشكرا لله تعالى على منته بولادته، وليس ذلك على سبيل الحصر والاختزال، بل هو لبيان الواقع وسوق المثال.
هل يجوز صيام يوم المولد النبوي الشريف؟
من جملة الأمور التي يشرع فعلها احتفالا بهذه المناسبة العظيمة: صيام يوم مولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم؛ ذلك أن الشارع قد حث على الصيام على جهة الإطلاق ورغب فيه، وجعل صوم التطوع مندوبا إليه إلا ما استثناه بالنص عليه، وعظم أجره وثوابه، بل أفرد للصائمين بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه أحد إلا هم، وعلى هذا تواترت الأخبار؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدع شهوته وطعامه من أجلي» أخرجه مسلم في "صحيحه".
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد» أخرجه الشيخان.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله؛ إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا» أخرجه مسلم في "صحيحه". وقوله: «في سبيل الله»: "أي: في طاعته؛ يعني قاصدا به وجه الله تعالى؛ كما قال الحافظ السيوطي في "شرحه على صحيح مسلم" (3/ 234، ط. دار ابن عفان).
ومن المقرر أن الأمر المطلق يصح إيقاعه على أي وجه كان؛ فالأمر فيه واسع، وإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وإيقاعه أكثر من وجه؛ فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته، ولا يصح تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك هو الابتداع في الدين بتضييق ما وسعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
صيام يوم مولد النبي
صيام يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الخصوص مشروع من حيث الأصل بما تواردت عليه النصوص الشرعية؛ شكرا واحتفاء بمولده صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث ورد الأمر الشرعي بالتذكير بأيام الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿وذكرهم بأيام الله﴾ [إبراهيم: 5]، ومن أيام الله تعالى: أيام الميلاد؛ إذ تجلت فيها نعمة الإيجاد، وأعظمها يوم ميلاد النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه شكرا لله تعالى على نجاة أخيه سيدنا موسى عليه السلام.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم»، فصامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بصيامه" أخرجه الشيخان.
وفي رواية: أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى شكرا لله" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وإذا كان الشكر بصيام اليوم الذي نجى الله فيه سيدنا نوحا عليه السلام ونصر فيه سيدنا موسى عليه السلام مستحبا؛ فإن صيام اليوم الذي ولد فيه خير البشر أرغب وأولى بالصيام من غيره؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد كرم يوم الولادة في كتابه وعلى لسان أنبيائه وأصفيائه؛ فقال سبحانه في حق سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وسلام عليه يوم ولد﴾ [مريم: 15]، وقال جل شأنه على لسان السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم: ﴿والسلام علي يوم ولدت﴾ [مريم: 33]، وذلك أن يوم الميلاد حصلت فيه نعمة الإيجاد، وهي سبب لحصول كل نعمة تنال الإنسان بعد ذلك، فما بالنا بيوم ميلاد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو سبب لكل خير ونعمة ننالها في الدنيا والآخرة، فكان تذكره والتذكير به من أعظم أبواب شكر نعم الله تعالى على الناس.
قال شمس الدين السخاوي الشافعي في "الأجوبة المرضية" (3/ 1117-1118، ط. دار الراية)، والعلامة الشرواني الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (7/ 422-423، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن حجر عن عمل المولد.. قال: وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت؛ وهو ما ثبت في "الصحيحين" من "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم، فقالوا: هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى"، فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير هذا اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة؛ كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر].
بل قد شرع لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصيام يوم مولده شكرا لله تعالى على إيجاده وعظيم منته وحمدا له على بعثته؛ مصداقا لقول المولى الجليل في محكم التنزيل: «لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم» [آل عمران: 164].. فعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذاك يوم ولدت فيه» أخرجه مسلم في "الصحيح"؛ فهذا الحديث أصل في إيذان مشروعية الصوم يوم ميلاده؛ شكرا لله تعالى على نعمة إيجاده، والأولى بالأمة الاقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على عظيم منته وكريم منحته بكل أنواع الشكر وعلى رأسها الصيام.