تعد البهنسا من أشهر المناطق الأثرية في محافظة المنيا، وتحتوي على آثار وبرديات من مختلف العصور في التاريخ المصري، سواء الفرعوني أو اليوناني أو الروماني أو القبطي أو الإسلامي، ويطلق عليها أيضا "بقيع مصر"، حيث اسُتشهد فيها خلال الفتح الإسلامي خمسة آلاف صحابي ، فضلا عن أنها كانت تصنع بها أنواع فاخرة من النسيج الموشى بالذهب.
وتروى كتب التاريخ أن البهنسا التي تقع على بعد 16 كيلو مترا من مدينة بني مزار ناحية الغرب شمال محافظة المنيا ، كانت ذات أسوار عالية وحكمها حاكم روماني يسمى "البطليموس" وكانت له فتاة ذات حسن وجمال، ومن شدة جمالها أطلق عليها "بهاء النسا"،ومن هنا سميت البلدة بـ " البهنسا "..ومن المعالم التاريخية الموجودة فيها شجرة السيدة العذراء مـريم،وسميت كذلك ، حيث يقال أن السيدة مريم العذراء جلست تحتها والمسيح عيسى بن مريم ويوسف النجار ، عندما كانوا في رحلة مسار العائلة المقدسة إلى صعيد مصر.
وقال أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الآثار جامعة جنوب الوادي، الدكتور وائل بكري رشيدي، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن مدينة البهنسا كانت قبل الفتح الإسلامي مدينة محصنة بالأسوار والأبراج ولها أربعة أبواب بواقع باب في كل اتجاه وكان بها كنائس وقصور، وأن أقباط مصر مجمعون على أن السيد المسيح والسيدة مريم عليهما السلام كانا بالبهنسا ثم انتقلا عنها ورجعا إلى القدس.
وأضاف الدكتور رشيدي أن شهرة البهنسا في العصر الإسلامي ترجع إلى كثرة ما بها من مشاهد ومزارات دينية تحمل أسماء الصحابة والتابعين والصالحين فضلاً عن تعدد الأضرحة بجبانتها القديمة والحديثة،ونتج هذا لما كانت تتمتع به هذه المدينة من حصانة نتيجة لضخامة أسوارها ودفاع الحامية الرومانية عنها بقوة،وأدي ذلك أثناء الفتح الإسلامي لإستشهاد عدد كبير من المسلمين، ما جعل لهذه المدينة مكانة كبيرة في نفوس المسلمين،وأخذت القبائل العربية تستقر بها .
وتابع أنه من بين أهم آثار المدينة في العصر الإسلامي مئذنة وضريح أبو سمرة بن زين العابدين، وترجع لنهاية العصر المملوكي الجركسي، وضريح عبد الله التكرور (674هـ / 1275م )،وضريح خوله بنت الأزور ( 733هـ / 1332م )،أخت الصحابي ضرار بن الأزور الذي شهد فتح مصر،وكذلك مسجد الحسن بن صالح بن الحسين بن على بن أبي طالب كرم الله وجهه ( 1267هـ / 1877م )،مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه يكثر بالبهنسا أيضا شواهد القبور الأثرية والتي ضاهت بجمالها ما كان موجوداً في القاهرة من شواهد رخامية تحوي النصوص القرآنية وأسماء أصحابها فضلاً عن الزخارف الهندسية .
وأوضح الدكتور وائل رشيدي، أنه بجانب ذلك أكتشف بالمدينة عدد من العملات الذهبية والنحاسية التي تعود إلى العصر الإسلامي في عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي..كما أزدهرت صناعة المنسوجات بها وعثر بها على العديد من القطع المحفوظة بالمتاحف، وأزدهرت بها أيضا صناعة الفخار والخزف وكانت من المراكز الصناعية الهامة خلال العصر الإسلامي .
وأكد أن البهنسا تعتبر من مدن مصر الهامة التي تقف شاهدة على تاريخ مصرنا العزيزة واختلاف الحضارات بها من خلال ما بقي بها من آثار ومن الممكن الاستفادة منها لما تضمه من آثار متنوعة من عصور مختلفة وما تعج به من مشاهد ومزارات سواء مسيحية أو إسلامية الأمر الذي يحقق دخلاً يعود بالنفع على الاقتصاد المصري ، وذلك من خلال الاهتمام بهذه الآثار ورفع كفاءة الأماكن المحيطة بها ووضع العلامات الاسترشادية بها ورفع الوعي الأثري لدي المحيطين بها وتيسير مهمة الوصول لهذه الآثار بالنسبة للسائحين وإتاحة المعلومات المقروءة عن هذه الآثار وعمل بعض الكتيبات السياحية التي يتم توزيعها من خلال الشركات السياحية على السائحين الزائرين لمصر.
من جانبه قال مدير منطقة الآثار الإسلامية والقبطية بالبهنسا سلامة زهران، إن البهنسا تعد متحفا تاريخيا مفتوحا، وذلك لما تضمه من عصور مصرية قديمة فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية ثم تاج العصور العصر الإسلامي، حيث شهدت صفحات مجيدة من تاريخ الفتح الإسلامي لمصر،حيث يطلق عليها مدينة الشهداء لكثرة من اسُتشهد فيها خلال الفتح الإسلامي .
وأضاف:عندما أرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه جيشًا لفتح الصعيد بقيادة «قيس بن الحارث» عام 22 هجريا ، وعندما وصل الجيش إلي البهنسا، كانت ذات أسوار منيعة وأبواب حصينة، كما أن حاميتها الرومانية قاومت جيش المسلمين بشدة، مما أدى إلي سقوط عدد كبير من الشهداء المسلمين الذين دفنوا فيها وبلغ أعدادهم 5 آلاف شهيد.
وتابع: عثر بها على آثار تدل على هذه الفترات المتعاقبة على مصر ، وكانت عاصمة الإقليم التي لها ثقل إدارى وتجارى كبير،حيث تقع على رأس الطريق الرابط بين وادى النيل والواحات من خلال طريق درب البهنساوى الذى يربط بين الواحات والبهنسا، وتبعد عنها 160 كيلومترا، وكانت خاضعة إداريا للبهنسا فى العصر الروماني.
وقال زهران إن البهنسا تحتوى على آثار ومساجد إسلامية عديدة منها مسجد عبد الحى بن زين العابدين المعلق ، وزاويتا أبى السعود وعلى الجمام ، بجانب مدرسة وسبيل القاضى عبد الرحمن بن الشريف وحمام يرجع للعصر الفاطمي وقبة حسن الأنور وقبة جعفر بن عقيل ومشهد الأربعين وقبة على أبو العودين".
وأشار إلى أن البهنسا تعرضت إلى الكثير من التعديات ما أدى إلى إندثار بعض أثارها أيضا، ولم تعد الجبانات قاصرة على مدافن أهالي المدينة فقط بل هناك مقابر من مراكز وقرى أخرى، وهذا التوسع أضر بالكثير من المباني والأماكن الأثرية وحولها إلى جبانات،لافتا إلى أنه تقع على أطراف البهنسا مجموعة أضرحة السبع بنات،وهى الأضرحة التي تدور حولها أساطير وملاحم شعبية وتراث تتذكره الأجيال، حيث يشهد هذا المكان توافدا لأعداد غفيرة من المواطنين من البلاد المجاورة للزيارة كل يوم جمعة .