لعل ما يطرح السؤال عن هل العزف على الآلات الموسيقية حرام ؟ هو تلك الدعاوى بأن آلات اللهو والمعازف من المحرما ت ، والموسيقى حرام وما نحوها ، فيما نجد من يدرسون العزف عليها وكثيرون يستمعون إليهم بجمهور عريض، ومن ثم هذا يطرح سؤال هل العزف على الآلات الموسيقية حرام ؟.
هل العزف على الآلات الموسيقية حرام
قالت دار الإفتاء المصرية ، إنه قد كان استخدام الدف في عصر النبوة أمرًا مشهورًا للإعلان عن الفرح والسرور في المناسبات الاجتماعية.
وأوضحت الإفتاء في إجابتها عن سؤال : هل العزف على الآلات الموسيقية حرام ؟ وهل كانت تُضرب الموسيقى والطبول والنوبات والكشاكيش؟، أنه كان مستخدمًا في كثير من الاحتفالات بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالعيدين مثلًا ولم ينكره النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأضاف: أما غير ذلك من الآلات فلم يكن معروفًا أو مشهورًا، ومع ذلك، فإن تلك الآلات الموسيقية المذكورة أو غيرها هي مجرد جمادات تصدر أصواتًا بفعل مستخدمها، فهل قال أحد يومًا إن تلك الآلات أو أصواتها أمر محرم شرعًا؟!.
وأشار إلى أن غاية ما هنالك أنه إن استُخدمت تلك الآلات في غناء مشتمل على محرم كتهييج الغرائز أو إثارة الشهوات مع مقارعة الخمور أو المسكرات ومشاهدة المحرمات فالأمر كله حرام شرعًا، لا لذات الآلات، بل لما اشتمل عليه فِعل الناس من المحرمات.
وتابع: أما إذا ما استخدمت فيما أحلَّه الله كالمدائح النبوية أو الإنشاد الديني أو الأغاني الوطنية وما يماثلها فلا مانع من ذلك شرعًا، لا لذات الآلات أيضًا بل لما اشتمل عليه فعل الناس من المباحات، فظهر بذلك أن الآلات في ذاتها لا حكم لها إنما الحكم يتعلق بفعل المكلف نفسه.
حكم سماع الآلات الموسيقية
وأفادت بأن مسألةُ بيع الآلات الموسيقية مسألة خلافية مبناها على الخلاف الفقهي في سماع الآلات الموسيقية؛ فمن لم يُجِزِ السماع لم يُجِز البيع، ومن أجاز السماع أجاز البيع، ومن المقرر أنه: "إنما يُنكَر المُتفَقُ عليه، ولا يُنكَر المُختلَفُ فيه"، وقد أجاز سماع غير الفاحش وما لا يُلهي عن ذكر الله منها كثيرٌ من الفقهاء؛ وهو مذهب أهل المدينة، ومَروِيٌّ عن جماعةٍ مِن الصحابة: كعبدِ الله بن عُمر، وعبدِ الله بنِ جعفر، وعبدِ الله بنِ الزُّبَير، وحسَّان بنِ ثابتٍ، ومُعاوِيَة، وعَمرو بنِ العاص، رضي الله عنهم.
وواصلت : ومِن التابعين: القاضي شريح، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -وكان لا يُحدِّث حديثًا حتى يضرب بالعُود-، وغيرهم؛ قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (8/ 113، ط. دار الحديث): [نَقَل الأثباتُ مِن المُؤَرِّخين أنَّ عبدَ الله بنَ الزُّبَير رضي الله عنهما كان له جَوَارٍ عوَّادَاتٌ -أي: يَضربن بالعُود- وأنَّ ابن عمر رضي الله عنهما دَخَل عليه وإلى جَنْبِه عُودٌ، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فناوَلَه إياه، فتَأمَّلَه ابنُ عمر، فقال: هذا مِيزانٌ شامي، قال ابنُ الزبير رضي الله عنهما: يُوزَن به العقول] اهـ.
وبينت أنه إلى هذا أيضًا ذهب ابنُ حزمٍ، وأهلُ الظاهرِ، وبعضُ الشافعيةِ ومنهم: الشيخُ أبو إسحاق الشيرازي، والقاضيان (الماوردي، والروياني)، والأستاذُ أبو منصور عبدُ القاهر بنُ طاهر التميمي البغدادي، والرافعيُّ، وحُجَّةُ الإسلامِ الغزاليُّ، وأبو الفضل ابنُ طاهر القيسراني، والإمامُ سلطان العلماء عزُّ الدِّين بنُ عبد السلام، وشيخُ الإسلام تقيُّ الدِّين ابن دقيق العيد، وعبدُ الغني النابلسي الحنفي.. وغيرُهم.
حكم بيع الآلات الموسيقية
وأوضحت أنه اختَلَف الفقهاء في حكم بيع الآلات الموسيقية؛ فيرى جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة -وهو ما عليه الفتوى عند الحنفية- حرمة بيع الآلات الموسيقية المحرَّمة، والتقييد بالمحرَّمة؛ لإخراج ما يَحِل كطَبْل الغُزَاة ونحوه، ويقول العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار" المطبوع مع "حاشية ابن عابدين عليه" (6/ 212، ط. دار الفكر): [(وضمن بكسر مِعْزَف) بكسر الميم آلة اللهو، ولو لكافر ابن كمال (قيمته) خشبًا منحوتًا (صالحًا لغير اللهو).. (وصحَّ بيعها) كلها، وقالا: لا يضمن، ولا يصحُّ بيعها، وعليه الفتوى. "ملتقى" و"درر" و"زيلعي" وغيرها، وأقره المصنف] اهـ.
وأفادت بأنه وقال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 144، ط. دار الكتب العلمية): [وعند أبي يوسف ومحمد: لا ينعقد بيع هذه الأشياء] اهـ. وقال الشيخ الـمَـوَّاق في "التاج والإكليل" (6/ 64، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على شروط البيع: [(وانتفاع) ابن شاس: يشترط في المعقود عليه أن يكون مُنْتَفَعًا به، فلا يصح بيع ما لا منفعة فيه.. وقال ابن القاسم: يُفْسَخ بيع البُوق، والعُود، والكَبَر، ويُؤدَّب أهله] اهـ. والبُوق: أداة مُجوَّفة يُنْفَخُ فها ويُزمَر. والكَبَر -بفتحتين-: الطَّبلُ ذو الوجه الواحد.
ولفتت إلى أنه قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 342، ط. دار الكتب العلمية) عند الكلام على ما لا يصح بيعه: [(و) لا بيع (آلة اللهو) للحرمة؛ كالطنبور والصنج والمزمار] اهـ. وقال العلّامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (3/ 155، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يصح بيع آلة لهو؛ كمزمار وطنبور] اهـ. والطُّنبور: آلة مجوفة لها أوتار كالعود. والصنج: قطعتان دائريتان من نحاس تُضرَب إحداهما بالأخرى. ويرى الإمام أبو حنيفة صحة بيع الآلات الموسيقية، وهو ما يراه فقهاء الشافعية -في قولٍ- أنه يصح بيعها إن عُدَّ فُتَاتها مالًا.
ونوهت بأنه قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (5/ 144): [ويجوز بيع آلات الملاهي؛ من البربط، والطبل، والمزمار، والدف، ونحو ذلك عند أبي حنيفة، لكنه يُكرَه] اهـ. وقال الإمام النووي في "المجموع" (9/ 256، ط. دار الفكر): [(فرع) آلات الملاهي كالمزمار والطنبور وغيرهما: إن كانت بحيث لا تعد بعد الرَّضِّ والحَلِّ مالًا لم يصح بيعها؛ لأنه ليس فيها منفعة شرعًا، هكذا قطع به الأصحاب في جميع الطرق.. وإن كان رضاضها يُعدُّ مالًا ففي صحة بيعها وبيع الأصنام والصور المتخذة من الذهب والفضة وغيرها ثلاثة أوجه.. (والثاني) الصحة] اهـ.
واستندت إلى ما قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (2/ 342-243): [(وقيل: يصح) البيع (في الآلة) أي وما ذكر معها (إن عُدَّ رُضَاضُهَا) وهو بضم الراء: مُكَسَّرُهَا (مالًا)؛ لأن فيها نفعًا مُتَوَقَّعًا] اهـ.، ويجيز فقهاء المالكية بيع الآلات الموسيقية إذا كانت مكسورة كسرًا واضحًا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (2/ 900، ط. دار ابن حزم): [وقولنا: ((منتَفَعًا به)) (احترازًا ممن لا منفعة فيه) فلا يصح بيعه؛ لأنه من أكل المال بالباطل، وكذلك ما له منفعة محرمة كالمزمار، والعود فلا خلاف في امتناع بيعه؛ لأن المنفعة محرمة شرعًا كالموجودة حسًّا، فإن كُسِر جاز بيعه مكسورًا (إن كان) كسرًا بينًا] اهـ.
ووذكرت أن هذا ما عليه كثير من الفقهاء في قولهم بتعييب المحرم ليحل بيعه، وهو ما ذكروه في بيع التماثيل؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 649، ط. دار الفكر): [(قوله: أو ممحوة عضو.. إلخ) تعميم بعد تخصيص، وهل مثل ذلك ما لو كانت مثقوبةَ البطن مثلًا؟ والظاهر أنه لو كان الثقب كبيرًا يظهر به نقصها: فنعم، وإلا فلا] اهـ. بل إنَّ من الفقهاء من يرى جواز البيع إن كانت منفعة المبيع محرمة ولا يُعلم هل هي مقصودة أو لا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في "روضة المستبين في شرح كتاب التلقين" (2/ 900): [واختلفوا إذا كانت المنفعة (محرمة) إلا أنه لا يُعلم هل هي مقصودة أو مطروحة؟ فمنهم من كرهه نظرًا إلى المنفعة المحرمة، ومنهم من أجاز بيعه تمسكًا بالأصل] اهـ. وعلى هذا فلا يكون في بيع الآلات الموسيقية حظر؛ لا سيما على قول مَن يرون جواز السماع.