ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "المولد النبوي أسرار وتجليات"، قال الدكتور ربيع الغفير، في هذه الأيام المباركة تضيء علينا أنوار ذكرى عظيمة وعزيزة على القلوب والأرواح، ذكرى ميلاد العزة والكرامة والشرف لهذه الأمة، في شخص نبيها وسيدها محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي اصطفاه ربه على سائر الخلق، فيوم ميلاده -صلى الله عليه وسلم- إشارة إلى قدوم النور الذي بدد ظلمات الباطل والجور، فهذا المولود المبارك -صلى الله عليه وسلم-جاء ليكون رحمة للعالمين، ومنقذًا للبشرية؛ ليقودها إلى طريق الحق والعدل، ويطهرها من الظلم والفساد.
احتفال الأمة الإسلامية بميلاد نبيها
وأوضح خطيب الجامع الأزهر أن احتفال الأمة الإسلامية بميلاد نبيها صلى الله عليه وسلم-، هو فرح بكرم الله وفضله عليه لأن مَنّ عليهم بالرحمة في شخص رسولهم الكريم، الذي هداهم إلى الله وعرفهم على طريقه المستقيم، وفي هديه لهم السعادة في الدارين، مضيفًا، أن نظر البعض بسطحية للاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم-، هو الذي يذهب بهم إلى فكرة القول بأن الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم-بدعة، ولو نظر هؤلاء إلى المعاني العميقة من وراء الاحتفال، لكان هؤلاء في مقدمة المحتفلين والفرحين بميلاد نبيهم، وواجبنا أن نأخذ بيد هؤلاء إلى الفهم الحقيقي للمغزى من وراء الاحتفال ولا نتركهم عرضة لأفكار شاردة لا تمت لمنهجنا بصلة.
حالة من التلبيس تظهر في مجتمعاتنا
وبين الغفير، أن هذه الأفكار الشاردة تُلبس على الناس دينهم، من قال إن كل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم-يعد بدعة وضلالة يقود إلى النار، فليخبرنا كيف جُمع المصحف في عهد أبي بكر وعثمان، وهو أمر لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم-؟ هل كان ذلك بدعة؟!، فهناك حالة من التلبيس تظهر في مجتمعاتنا مع قدوم هذه الذكرى العطرة، مضيفًا أن البدعة التي تدخل صاحبها النار، هي كل ما أُحدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم-فيما لا أصل له في الدين أو يصادم أصلاً من أصول الدين، فهل الاحتفال بمولده والفرح به ليس له أصل في الدين؟! هذا كلام خاطيء. من قال إنه صلى الله عليه وسلم-لم يحتفل بمولده؟! إذاً لماذا كان يصوم صلى الله عليه وسلم-الاثنين والخميس؟! ولما سُئل عن صيام الاثنين قال: " ذاك يوم ولدت فيه"، وفي هذا دليل علي أنه كان يحتفل بمولده كل أسبوع وليس كل عام.
احتفال الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي
وفي ختام الخطبة أكد الدكتور ربيع الغفير، أهمية أن تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى مولد النبي ﷺ، وأن تجعل من سيرته العطرة منارة تضيء طريق الأمل والتفاؤل في حياتها، فالاقتداء بالنبي ﷺ في كل جوانب الحياة هو حاجة ملحة في هذا الزمان التي تكثر فيه التحديات أمام هذه الأمة، حيث إن اتباع سنته ﷺ ليس مجرد شعار ديني، بل هو أساس للرقي والازدهار، ولقد شهدت الأمة الإسلامية في أوج تقدمها على أهمية هذا التمسك، حيث إنها وصلت لما وصلت إليه من مكانة ورقي بفضل تمسكها بمنهج النبي ﷺ وسنته العطرة، لما تمثله من ضمانة للنجاح والتوازن في مختلف نواحي الحياة، سواء كانت دينية أو اجتماعية أواقتصادية.
محبة النبي فرض ولا يكمل إيمان العبد إلا بها
قالت دار الإفتاء، إن محبة النبي فرض ولا يكمل إيمان العبد إلا بها، ولا يستطيع أحد أن يزايد على غيره في محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتلك المحبة شعور قلبي يترجم عنه السلوك، وهذا السلوك يختلف من شخص لآخر، وَلِكُلٍّ التعبير عن ذلك بما يوافق الشرع الشريف؛ ومن سلوك المحبين تذكُّر المحبوب في ذاته، فإذا كان المحبوب هو النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان تذكُّرُه عبادةً يؤجر المرء عليها.
وأضافت الإفتاء في فتوى لها: «شرع لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنس تذكر النبي والفرح به؛ ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني أنه خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَلْقَةٍ وَهُمْ جُلُوسٌ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنُمَجِّدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِكَ، قَالَ: «اللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟» قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ».
هل الاحتفال بالمولد النبوي بدعة؟
وواصلت: «احتفالنا بذكرى المولد النبوي الشريف مظهر من مظاهر محبته في القلوب وهو أمر مشروع ما دام موافقًا للأصول المستقرة، والمبادئ العامة للشريعة الغراء، ومع افتراض أن الصحابة لم يفعلوه فإن ذلك ليس دليلًا على الترك بالكلية، ولو قلنا بذلك لانسدَّت مصالح كثيرة على المسلمين، وما دامت الأدلة من القرآن والسنة قد قامت على جواز الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، فما الداعي إلى غضِّ الطرف عن ذلك والتعلق بغيره؟!».
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
أكد الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على أن الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أمر مشروع ومتفق عليه بين المسلمين، مشيرًا إلى أن الاختلافات التي قد تطرأ تكون في تفاصيل وطرق الاحتفال.
النبي أعظم هدية ومنحة من الله لهذه الأمة
وأضاف «شلبي»، في فتوى له، أن الله سبحانه وتعالى منّ على الأمة ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قائلاً: "إن الله سبحانه وتعالى قد منّ على هذه الأمة ببعثه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم هدية ومنحة من الله لهذه الأمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: 'إن الله أنزل أمانين لهذه الأمة، أحدهما وجود سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني هو الاستغفار ".
حكم الاحتفال بمولد النبي
وأشارإلى أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محل خلاف بين المسلمين، بل هو أمر مشروع، حيث قال: "الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور المشروعة والمباحة.. الاختلاف يقع في الهيئة والطريقة التي يتم بها الاحتفال".
وأضاف: "الاحتفال بحد ذاته يعني التكريم والاهتمام، ويشمل ذلك صلواتنا وسلامنا على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أن الصلاة عليه تُعتبر نوعاً من الاحتفال به، وتذكر بمكانة سيدنا النبي".
حلاوة المولد النبوي في أصلها ليست حراما
وأوضح أن مسألة "حلاوة المولد" ومظاهر أخرى مثلها تُعتبر من المباحات، قائلاً: "حلاوة في أصلها ليست حراماً، فهي من الطيبات التي أحلها الله.. مسألة إضافتها في أيام المولد النبوي ليس فيها إشكال."
معنى البدعة
وأكد أهمية فهم معنى البدعة، قبل إلصاقها إلى أى أمر، قائلاً: "نحتاج إلى معرفة ما هي البدعة وما هي مواصفاتها، والبدعة هي كل ما يُضاف إلى الدين دون أن يكون له أصل في الشريعة، ولكن إذا كانت المظاهر متوافقة مع الشرع فلا تعتبر بدعة"
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل أصل الطاعات، بينما تفريعات الطاعات يمكن أن تكون محل اجتهاد، موضحاً: "النبي صلى الله عليه وسلم فعل أصل الطاعات، وتفريعات الطاعات تأتي وفقًا لما يتوافق مع الشرع".
وختم قائلاً: "ما دام الاحتفال أو العمل يتوافق مع أحكام الشرع، فإنه لا يتعارض مع الدين، سواء كان في المولد النبوي أو في أي مناسبة أخرى".
متى ولد النبي محمد ؟
اختلف العلماء في تحديد موعد المولد النبوي الشريف ، اتفق الفقهاء على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وُلِد في يوم الاثنين، واتفقوا أيضًا أنه وُلد في عام الفيل، ورجَّح جمهور العلماء أنه ولد في شهر ربيع الأول. واختلف الفقهاء في رَقْم ذلك اليوم الذي وُلد فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من شهر ربيع الأول، ونقل الحافظ ابن كثير، العديد من الأقوال المتباينة في تحديد ذلك اليوم؛ فذكر منها: اليوم الثاني، واليوم الثامن، واليوم العاشر، واليوم الثاني عشر، واليوم السابع عشر، واليوم الثاني والعشرين.
موعد المولد النبوي عند العلماء
اختلف علماء التاريخ في تحديد يوم وشهر ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا له سببه المعقول حيث لم يُعلم ما سيكون لهذا المولود من شأن، فكان حاله كحال غيره من المواليد، ولذا لم يكن لأحد أن يجزم على وجه اليقين بوقت ميلاده صلى الله عليه وسلم، وضبط المؤرخون وعلماء السيرة تاريخ ميلاد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالنقل عن الرواة وبالحساب الفلكي.
وقال المباركفوري: إنه ولد يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول عام الفيل ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571م حسبما حققه العالم الكبير والمحقق الفلكي محمود باشا.
وذكر أكثر أهل السير أنه ولد يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وذكر بعضهم التاسع إلى الثاني عشر ولعل الاختلاف عائد إلى عدم ضبط الميلاد والتاريخ عند العرب في ذلك الوقت، فكانوا يؤرخون بالحوادث الكبرى ولم يكونوا يسجلون التاريخ، والذي لا شك فيه أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين في ربيع الأول عام حادثة الفيل.
الحكمة من المولد النبوي يوم الاثنين
ذكر الفقهاء، أن المولد النبوي الشريف -صلى الله عليه- ولد في يوم الاثنين دون غيره من أيام الأسبوع لحكمتين ذكرهما الإمام الإمام الصالحي فى كتابه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد".
الحكمة الأولى: إن الأزمنة والأمكنة هي التي تتشرف بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا هو يتشرف بها.
والحكمة الثانية: أن الله تعالى جعل بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والشجر علاقة، منوهًا بأنهما خُلقا في يوم الاثنين، مشيرًا إلى أن الشجر نستفيد بظلها وخشبها وثمرها وكذلك النبي هو شجرة كبيرة مورقة من تعلق بخصن منها نجا.
والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضى الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز خلق التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم، عليه السلام، بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة. فيما بين العصر إلى الليل».
ماذا حدث في ميلاد النبي
ولد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بجوف مكة بالشعب وقيل بالدار التي عند الصفا، وكان مولده عام الفيل، العام الذي حاول فيه جيش أبرهة هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم طيرًا أبابيل أهلكتهم ومنعتهم.
وشهد يوم ميلاد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الكثير من المعجزات، ليس في مكة وحسب ولكن في بلاد المشرق والمغرب، فجاء ميلاد النبي إيذانًا بميلاد الإيمان في قلوب البشر.
رأت السيدة آمنة حين حملت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج منها نور أضاء لها قصور بصري من أرض الشام، وقالت والله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء.
وتكررت الرؤى عند "آمنة" وسمعت كأن أحدا يقول لها: "أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدًا"، وجاءتها آلام المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب، وخيل لها أن "مريم ابنة عمران"، "وآسية امرأة فرعون"، و"هاجر أم إسماعيل" كلهن بجنبها، فشعرت بالنور الذي انبثق منها، ومن ثم وضعت وليدها كما تضع كل أنثى من البشر.
وعندما ولدت السيدة آمنة رأت أم عثمان بن العاص وأم عبد الرحمن بن عوف اللتان باتتا عندها ليلة الولادة قلن: رأينا نورًا حين الولادة أضاء لنا ما بين المشرق والمغرب.
وذكرت "فاطمة بنت عبد الله" أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: "فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن عليَّ".
وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم ولد معذورًا مسرورًا -أي مختونًا مقطوع السرة- وأنه كان يشير بإصبع يده كالمسبّح بها.
وبعد أن وضعته السيدة آمنة أرسلت إلى جده عبدالمطلب: أنه قد ولد لك غلام فاته فانظر إليه. فأتاه فنظر اليه وأخذه فدخل به الكعبة؛ فقام يدعو الله ويشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها. وسماه محمدًا، وهذا الاسم لم يكن العرب يألفونه، فسألوه: لم رغب عن أسماء آبائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الخلق في الأرض.
وروي أن عبدالمطلب ختنه يوم سابعه وجعل له مأدبة. وروي أن جبريل عليه السلام ختنه حين شق صدره، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: "من كرامتي علي ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي".
ولما كان الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتج إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وكان في هذا إشارة إلى أنه سيملك الفرس أربعة عشر ملكًا بعدد ما سقط من الشرفات، فملك منهم عشرة ملوك بعد كسرى في أربع سنين، وملك الباقون إلى إمارة عثمان رضي الله عنه حتى سقطوا جميعًا، وتهاوت الأصنام المنصوبة في الكعبة وحولها، وانكبت على وجوهها، وغاضت بحيرة ساوة التي كانت تسير فيها السفن وجف ماؤها، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة.
ومن الآيات التي ظهرت لمولده صلى الله عليه وآله وسلم أن الشياطين رميت وقذفت بالشهب من السماء، وحُجب عنها خبر السماء كما ذكر بعض العلماء، لكن المشهور والمحفوظ أن قَذف الشياطين بالشهب عند مبعثه صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن إبليس حُجب عن خبر السماء فصاح ورنَّ رَنَّةً عظيمةً كما رنَّ حين لُعن، وحين أخرج من الجنة، وحين وُلد النبي صلى الله عليه وسلم، وحين نزلت الفاتحة، ذكر ذلك الحافظ العراقي في المورد الهني عن بقي بن مَخْلَد.