قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

في ذكرى رحيله.. سيد درويش ألهب حماس الشعب ضد الإنجليز ومات مسمومًا

سيد درويش
سيد درويش
×

يعتبر سيد درويش، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، الأب الروحي للنهضة الموسيقية المصرية الحديثة حيث كانت أعماله بمثابة حجر الأساس الذي بنى عليه جيل لاحق من الملحنين والمطربين أسلوبهم، وتأثر به كبار الفنانين الذين جاءوا بعده، مثل محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وزكريا أحمد، وكانت أعماله تعكس بشفافية واضحة المرحلة الحرجة التي عاشها الشعب المصري تحت وطأة الاحتلال الإنجليزي.

جرأة سيد درويش

وتميز فن سيد درويش بالجرأة في تقديم أغان سياسية واجتماعية مباشرة مثل «بلادي بلادي»، و«قوم يا مصري»، والتي أصبحت فيما بعد أغاني وطنية يتردد صداها في المظاهرات والشوارع والميادين، وعقب المؤرخ الموسيقي فريدريك لاغرانج على أغانيه قائلًا: «لم تكن أغاني درويش مجرد تسلية، بل كانت وسيلة لتوحيد الصوت المصري في وقت كانت الأمة تبحث عن هويتها».

لم يكتفِ سيد درويش بالأغاني الوطنية والاجتماعية، بل كان له إسهامًا كبيرًا في تطوير المسرح الغنائي، ونجح درويش في تقديمه بشكل مبتكر، مما أضفى على الموسيقى المصرية بعدًا مسرحيًا جديدًا، وقاد مسرحيات مثل «العشرة الطيبة»، و«شهرزاد» و«الباروكة» التي نالت إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.

واستطاع درويش أن يمزج بين الموسيقى والدراما بطريقة لم تكن معهودة في الموسيقى العربية، كان يُلحن المشاهد الدرامية كما لو كانت قصصًا موسيقية تروي عبر الألحان والتعبيرات الصوتية المتنوعة، ومن خلالها أرسى قواعد جديدة للأوبريت الغنائي، فتأثرت به الأجيال اللاحقة من الملحنين والمطربين.

سيد درويش فنان الشعب

لقب سيد درويش بـ «فنان الشعب»، ولم يكن هذا اللقب من فراغ، فرغم حياة سيد درويش القصيرة، والتى لم تتعد الـ31 عاما، فإنه تميز بغزارة الإنتاج، وغنى لكل الفئات والأعمار، حياته مليئة بالتحولات، فمن طالب فى الكتاب إلى منشد ثم مغنى فى الأفراح، ويجد نفسه مفصولا من الكتاب ثم مسئولا عن أسرة بالكامل ينفق عليها رغم صغر سنه بعد وفاة والده، ويعمل فى أغلب المهن، لتكون الصدفة فقط هى سبب شهرته سواء فى سفره للشام أو بلقائه بصديق عمره بديع خيري، وتظل قصة وفاته الغامضة مثار جدل حتى وقتنا هذا رغم مرور أكثر من 100 عام على رحيله، وهو الأمر الذي أثاره حفيده محمد درويش البحر.

حاول الإنجليز كثيرا التخلص من سيد درويش، لما قدمه من أعمال غنائية تلهب حماس الشعب، مما جعل الشعب يحملوه على الأعناق في المظاهرات وهم يغنون ألحان بلادى بلادى وقوم يا مصري، الأمر الذي أغضب الإنجليز والحكومة المتواطئة مع الاستعمار فى ذلك الوقت.

الإنجليز تخلصوا من سيد درويش بالسم

ويظل موت سيد درويش لغزًا حتى يوما هذا، حتى بعدما كشف حفيده في حوارات صحفية وتلفزيونية عدة: «سيد درويش مات مسموما، والأسرة حينها طالبت الجهات المعنية والحكومة فى ذلك الوقت بإخراج الجثة من المدافن وتشريحها لإثبات أنه مات مسموما لكن السلطات رفضت لأنها متورطة فى قتله، فيوم عودة سعد زغلول من المنفى بعد ما انتهى سيد درويش من البروفة الأخيرة لألحان أغنيات بمناسبة عودة سعد زغلول، دعت أسرة متواطئة مع الاستعمار سيد درويش للعشاء، ودسوا له زيت زرنيخ فى طعامه للقضاء عليه، فسيد درويش لم يمت بجرعة مخدرات كما ادعوا بل إنه حارب فى رواياته وفى بعض الألحان المخدرات عندما لحن "التحفجية" والتى من كلماتها "يحرم علينا شربك يا جوزه روحى وانت طالقة مالكيشى عوزه"، إذا كيف سيموت بمخدرات وكيف سيشرب المخدرات، ولدينا خطاب بخط يده يقول لأصدقائه "ياريت لو بتشرب مخدرات أقلع وابعد عنها" فكان يشجع أصدقاءه على الابتعاد عن المخدرات».

وُلد سيد درويش عام 1892 في الإسكندرية، وهي مدينة كانت آنذاك مركزًا للتنوع الثقافي والانفتاح على العالم الخارجي، بدأ شغفه بالموسيقى يظهر في سن مبكرة، حيث تأثر بالأغاني الشعبية التي كانت تُغنى في الأحياء الفقيرة والمقاهي. كانت البيئة التي نشأ فيها مليئة بالفن الشعبي، مما جعله يمتص تفاصيل هذا الفن، ليتمكن لاحقًا من تطويره بأسلوبه الفريد.

التحق سيد درويش بالأزهر لفترة قصيرة، لكنه لم يستطع أن يبتعد عن حبه الحقيقي: الموسيقى. وسرعان ما غادر دراسته الدينية ليكرس حياته بالكامل للفن، حيث التحق بعدد من الفرق الموسيقية الصغيرة، ليبدأ في تقديم أعماله الأولى التي تحمل سمات مختلفة عما كان مألوفًا في الموسيقى المصرية التقليدية آنذاك.

في وقت كان الفن العربي مشبعًا بالقوالب التقليدية، جاء سيد درويش ليكسر هذه التقاليد بقوة، معبرًا عن مشاعر الناس وآلامهم وأفراحهم بشكل غير مسبوق. كان التلحين الغنائي في عصره مقتصرًا على القوالب التقليدية للمقامات الموسيقية، وتكرار نفس الأنماط والألحان المتوارثة، بيد أن درويش أدرك أن الموسيقى يجب أن تكون تعبيرًا حيًا عن الإنسان، وأنها لا يمكن أن تستمر كفن نخبة يعبر عن الطبقات العليا فقط.

من هنا، بدأ سيد درويش في تقديم "الطقطوقة" والمونولوج الغنائي كأشكال جديدة، حيث كانت هذه الأشكال أكثر مرونة وسهولة في توصيل المشاعر والأفكار.

ويقول عنه الناقد الموسيقي محمود كامل: "إن سيد درويش أدرك أن الموسيقى يمكن أن تكون وسيلة للتعبير عن مشاعر الناس ومشاكلهم اليومية، بدلًا من أن تظل مجرد زخارف صوتية".

كانت موسيقى سيد درويش تحمل روح الثورة والتغيير، إذ استخدمها كأداة للتعبير عن الهموم الوطنية والاجتماعية، مما جعل فنه محبوبًا لدى العامة والنخبة على حد سواء.

ولم يكن درويش فقط ملحنًا عبقريًا، بل كان أيضًا صاحب رؤية موسيقية تحررية، فقد مزج بين الأنماط الموسيقية الشرقية والغربية، مثلما فعل في أعماله المسرحية التي استلهم فيها من الأوبرا والجاز، ليخلق موسيقى مبتكرة تعبر عن الحاضر والمستقبل.