تلعب مصر دورًا حيويًا في تأمين إمدادات الغذاء لسكانها البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، وتعد إدارة المخزون الإستراتيجي من المواد الغذائية والمحاصيل الأساسية، مثل القمح، أمرًا حيويًا لضمان الأمن الغذائي للبلاد.
المخزون الإستراتيجي من القمح
ويعتبر القمح أحد أهم السلع الاستراتيجية في مصر نظرًا لاعتماد الشعب المصري الكبير على الخبز كجزء رئيسي من نظامهم الغذائي، وتعد مصر من أكبر الدول المنتجة للقمح في المنطقة، كما تعتمد على الاستيراد لسد فجوة الاستهلاك المحلي، إذ تنتج حوالي 9 ملايين طن سنويًا بينما يصل الاستهلاك إلى نحو 20.6 مليون طن سنويًا.
ومن جانبه، أعلن وزير التموين المصري، شريف فاروق، أن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح يكفي حاليًا لمدة 6 أشهر، موضحًا أن الجهود لا تزال مستمرة بالتعاون مع مختلف الجهات لضمان الوصول إلى كميات آمنة من السلع الاستراتيجية، سواء عبر الشراء من السوق المحلية أو الاستيراد.
وفي خطوة غير مسبوقة، طرحت الهيئة العامة للسلع التموينية، المسؤولة عن شراء الحبوب في مصر، الشهر الماضي أكبر مناقصة منفردة على الإطلاق لشراء 3.8 مليون طن من القمح، في محاولة للاستفادة من تراجع الأسعار العالمية مؤخرًا. ومع ذلك، اشترت الهيئة 280 ألف طن فقط، رغم تلقيها أكثر من 100 عرض، نظرًا لارتفاع الأسعار المقدمة مقارنة بالتوقعات.
وشهدت واردات مصر من القمح ارتفاعًا ملحوظًا خلال النصف الأول من العام الجاري، حيث قفزت بنسبة 34% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 7.5 مليون طن حتى منتصف يوليو 2024.
ويعود هذا الارتفاع جزئيًا إلى زيادة حصة القطاع الخاص في الاستيراد مقارنة بالحكومة، وهو ما ساهم في تسجيل أعلى مستويات للواردات في تاريخ البلاد، وزيادة بنسبة 53% عن متوسط السنوات الخمس الماضية.
وأكد رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، أن استيراد السلع الاستراتيجية يدار وفق نهج اقتصادي يهدف إلى الاستفادة من الفترات التي تنخفض فيها الأسعار العالمية لتأمين الاحتياجات المستقبلية بأسعار أقل، وتجنب دفع مبالغ باهظة خلال الأزمات، كما حدث خلال الأزمة الروسية الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار القمح.
وأشار مدبولي إلى أهمية توفير القمح لمواطني الدولة مع الاستمرار في استيراد كميات إضافية عند انخفاض الأسعار، مستفيدين من البنية التحتية الحديثة التي تشمل الصوامع والشون التي تم تطويرها ضمن خطة الدولة لتأمين الاحتياجات الغذائية. هذا النهج يهدف إلى تعزيز المخزون الاستراتيجي وضمان مرونة الاستجابة في حال حدوث أزمات قد تؤثر على الإمدادات في المستقبل.
ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد الزراعي، الدكتور جمال صيام،إن مصر تسعى جاهدة لتعزيز استيرادها من القمح بهدف تأمين احتياجاتها من المخزون الاستراتيجي وتجنب أي نقص محلي في هذه السلعة الأساسية.
وأضاف صيام، في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن الاستهلاك السنوي للقمح في مصر يبلغ حوالي 21 مليون طن، في حين تنتج البلاد نحو 10 ملايين طن فقط، مما يعني أن مصر تغطي نصف احتياجاتها فقط من هذا المحصول الحيوي.
وأشار صيام إلى أن مصر تتبنى نهجين أساسيين لزيادة مخزونها الغذائي:
- الأول هو التوسع في المشاريع الزراعية لتحسين الإنتاج المحلي
- الثاني هو تنفيذ استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2030، والتي تستهدف رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 70% على المدى المتوسط.
وشدد على أن الأمن الغذائي يعدّ أحد الأركان الأساسية للأمن القومي، حيث تؤثر تكاليف استيراد الغذاء على عجز الموازنات ومستويات الفقر في الدول.
وأوضح صيام أن مصر تستورد نحو 50% من احتياجاتها من القمح، وهو رقم كبير يتطلب حلولاً متعددة منها التخزين الاستراتيجي. وأكد أنه على الرغم من صعوبة الوصول إلى الاكتفاء الذاتي الكامل من القمح في السنوات المقبلة، فإن الحكومة تعمل بجد لضمان توفير الاحتياطي الاستراتيجي من القمح تماشيًا مع توجيهات القيادة السياسية.
وأضاف صيام أن الدولة تعمل على تحفيز المزارعين على زراعة القمح عبر تقديم أسعار توريد مجزية تتماشى مع الأسعار العالمية، مشيرًا إلى أهمية زراعة الأصناف الجديدة من القمح واستخدام تقنيات مثل زراعة القمح على مصاطب، والتي تزيد من الإنتاجية بنسبة تصل إلى 20%.
وأكد صيام أن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من القمح يمثل خطوة استراتيجية مهمة لتأمين الغذاء للمصريين، وضمان استقرار الإمدادات في ظل التحديات العالمية المتزايدة في أسواق الغذاء.