ها نحن على أعتاب الحدث الثقافي الأهم .. إذ نقترب شيئاً فشيئاً من موعد انعقاد معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته السادسة والخمسين. شهور قليلة تفصلنا عن الاحتفالية والمهرجان الثقافي الذي ينتظره جموع المصريين والمثقفين في مصر وخارجها من العام إلى العام.
الاستعدادات تجري على قدم وساق لضمان إقامة احتفالية تليق بتاريخنا الثقافي العريق، وبالنجاحات المتتالية التي حققها المعرض منذ انعقاده منذ أكثر من نصف قرن. وآخرها ما حدث من نجاح تنظيمي كبير في العام الماضي، حيث شهد المعرض عدداً هائلاً من الجمهور بلغ أكثر من خمسة ملايين زائر للمعرض الأعرق والأهم في منطقة الشرق الأوسط.
وقد أعلن وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو اختيار "اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب" اختيار العالم الكبير الدكتور أحمد مستجير، والكاتبة فاطمة المعدول شخصيتا المعرض في نسخته السادسة والخمسين، بعد فترة من التداول والبحث.
وأوضح الدكتور هنو أن هذا الاختيار يأتي في إطار حرص وزارة الثقافة على تكريم المبدعين والرواد الذين ساهموا بشكل كبير في إثراء الحركة الثقافية والعلمية والأدبية على المستوى المحلي والإقليمي من أبناء مصر النابغين. وتكريس اهتمام مصر بالعلم والأدب والثقافة والتنوير من خلال إعادة التذكير برموزنا من المبدعين والنابغين في مختلف مجالات العلم والأدب والثقافة؛ تشجيعاً للأجيال الجديدة على اتخاذهم مثلاً وقدوة.
وقد أثني الوزير على اختيار هاتين الشخصيتين من قِبل اللجنة؛ وأشار لأهمية اختيار العالم والأديب الشاعر الدكتور أحمد مستجير رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي؛ والذي استطاع بعبقرتيه المتفردة الجمع بين النبوغ في مجالات العلم والأدب معاً؛ فقدم نموذجاً متكاملاً من العبقرية متنوعة المشارب والمجالات، فنبغ في الترجمة والتأليف والبحث العلمي وكتابة الشعر والتنظير له. كما أثني على اختيار الكاتبة فاطمة المعدول فقال: "إن اختيار الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول شخصية معرض كتاب الطفل لهذه الدورة يأتي تقديراً لدورها الرائد في الاهتمام بقضايا الطفل ورؤيتها السباقة لمشكلات ذوي الهمم، وتفانيها في خدمة النشء وتثقيفهم وتعليمهم".
لم يكن اختيار هاتين الشخصيتين اختياراً عشوائياً، بل كان اختياراً رصيناً متأنياً، وقد أكد الدكتور أحمد بهي الدين رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا الأمر فقال: "إن اختيار شخصيتي المعرض جاء بعد جلسات عديدة للجنة الاستشارية العليا للمعرض، مؤكداً أن هذا الاختيار جاء لدورهما البناء في الحياة الثقافية والعلمية، وما قدماه للإنسانية؛ لافتاً إلى أن "مستجير" صاحب إرث علمي وأدبي غني ترك بصمة واضحة في الحقلين، فكان نموذجاً للعالِم المتفوق والشاعر المبدع. وأن الكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول قدمت للأطفال العديد من المؤلفات والمسرحيات فضلاً عن دورها في العمل العام..".
علي المستوي الشخصي عرفت الدكتور أحمد مستجير عالماً فذاً وإنساناً رقيق الحاشية عندما كنت صحفياً شاباً في مقتبل حياتي الصحفية. كان شديد التواضع شأنه شأن العلماء الأجلاء الذين يشعرون بالضآلة كلما غرقوا في بحر العلم الواسع الخضم. استغرقه علم الجينات والهندسة الوراثية، وكان علماً ناشئاً واعداً، لهذا ظل ينادي بالتركيز عليه في مستقبل الأيام مؤكداً أنه سوف يصبح من أهم علوم الغد، وقد حدث ما توقعه؛ إذ بات للهندسة الوراثية شأن كبير في تطبيقاتها في عدد من مجالات الزراعة وعلوم الحياة وحتى في علم الجريمة والطب الشرعي.
بذل مستجير جهوداً كبيرة في مجال الهندسة الوراثية على مستوي البحث العلمي والترجمة. واشتهرت كتبه المترجمة شهرة كبيرة، فقدم للمكتبة العربية والمصرية عدداً من أهم الترجمات العلمية منها كتابه الشهير: "الربيع الصامت" وكتاب: "عقل جديد لعالم جديد".
بخلاف ترجمات لعدد من أهم العلوم الحديثة كفيزياء الكم والعلوم النووية، فقام بترجمة كتب أثقلت ميزان مكتبتنا العلمية لعل أهمها: (قصة الكم المثيرة، الانقراض الكبير، صناعة الحياة، الشفرة الوراثية للإنسان، المشاكل الفلسفية للعلوم النووية). والجميل في كتاباته وترجماته أنها تمت بقلم أديب أريب حاذق، له رقة الشاعر وفطنة العالم العبقري.
ومن نافلة القول إنه حصل على عدد من الجوائز استحقته قبل أن يستحقها. أولها في السبعينيات عندما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي، بالإضافة لخمسة جوائز أخري تتابعت له في التسعينيات كلها بسبب أعماله ومؤلفاته العلمية ودوره الكبير في إثراء المكتبة العربية بقلمه في مختلف مجالات الأدب والبحث العلمي والترجمة.
أما فاطمة المعدول فقد اشتهرت بحبها للأطفال والنشء؛ فتفانت في خدمة أدب الطفل على كل المستويات؛ هكذا كتبت وأخرجت عدداً من مسرحيات الأطفال والأعمال السينمائية القصيرة، غير كتبها ومؤلفاتها الموجهة للنشء والأطفال زادت عن خمسين عملاً. هذا بخلاف العديد من الورش المسرحية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والأسوياء. وقد تميزت بأن قدمت أول عمل مسرحي للمعاقين في مصر. ومن أهم أعمالها للأطفال: (ثورة العصافير، الوردة الزرقاء، البنت زي الولد، طيارة الحرية، أريد أن ألعب، البالونة البيضاء، الكنز، سلمي تعرف حقوقها).
هذا وقد حصدت فاطمة المعدول العديد من الجوائز منها جائزة كامل كيلاني، وجائزة اليونسكو للتسامح، وجائزة مهرجان الشارقة القرائي للأطفال.
جدير بالذكر أن معرض الكتاب سوف يقام في الفترة من 23 يناير عام 2025، ويستمر حتى السادس من فبراير. وتحل سلطنة عمان ضيف شرف للمعرض. والسلطنة معروفة بثقافتها العريقة وتراثها الغني بالأحداث والشخصيات والمواقف التاريخية المؤثرة.