كانت مصر، عبر تاريخها الطويل الممتد عبر آلاف السنين، دولة كبيرة ولا تزال تظل تلك الدولة العظيمة ذات الوجود الحقيقي والتأثير المطلق في كافة القضايا الإقليمية والدولية. فهي عروس الشرق الأوسط، ورأس القارة الأفريقية، وروح العالمين العربي والإسلامي، وحجر الزاوية في هذا الكون الكبير.
ولقد شاء الله سبحانه وتعالى، وهو الفعال لما يشاء، أن تتمتع مصر بهذه المكانة وبهذا الموقع المتفرد جغرافياً وتاريخياً. لذا كانت مطمعاً للأعداء ومرمى لسهام المؤامرات مرة تلو أخرى، لضعفها تارة، وإقصائها عن قضايا أمتها تارة أخرى.
وتعرضت مصر للهزات، وعصفت بها الرياح والمؤامرات منذ هجمات المغول وحروب التتار والصليبيين، والعدوان الثلاثي وما قبله وما بعده من حملات مسعورة هنا وخارج هنا. وما ويلات الخريف العربي عنا ببعيد، بأحداثه الدامية، وكيف تغلبت مصر على كل ذلك بأمنها وجيشها الرادع وشعبها الذي لا يعرف الهزيمة أو الانكسار.
ما أريد أن أشير إليه هو أن مصر تعرف طريقها جيداً، ولم تكن في يوم من الأيام دولة معتدية أو ذات أطماع فيمن حولها. ولذلك قدر الله لها الخروج من عنق الزجاجة عشرات، بل مئات المرات. وقد دفعت مصر الضريبة غالية وباهظة الثمن جراء مواقفها الثابتة من قضايا أمتها وأمنها القومي والإقليمي، فكانت مواقفها كبيرة ومشهودة وواضحة وضوح الشمس في ضحاها ولا تقبل الشك أو المزايدة.
أرادوا لمصر التقسيم إلى دويلات متناحرة ومتهلهلة، فكان حراس معبدها يتحركون بشجاعة وإقدام، مرابطين على ثغرها ضاربين بيد من حديد، وردوا مخططات ذوي الشر إلى نحورهم. كما أرادوا لها الفتنة واشتعال الحرب الطائفية بأن صدروا لنا الدواعش تمهيداً لقيام ولاية سيناء، فكانت جبال أرض التجلي والمناجاة الإلهية، أتى هؤلاء مشتعلة، أحرقوا عتلات التكفيريين ومن على شاكلتهم في مواجهة عسكرية لم يشهدها العالم من قبل، وكان النجاح والانتصار لمصر.
واليوم، حين نتحرك بأمان على أرضها وتحت مظلة سمائها الآمنة، نرى التقدم والإصلاحات في بنيتها التحتية والأساسية، والقضاء على العشوائية، وإنشاء المدن الجديدة والمنتجعات السياحية، وإنشاء الطرق والمحاور لإعادة رسم خارطة الدولة المصرية على الوجه الذي يليق بها. وما تمضي فيه قيادتها من مواصلة دفع عجلة الإنتاج والتنمية يجعلنا نوقن حق اليقين كيف أن الخط الأحمر والعزيمة المصرية شكلا ملامح السيادة والهيبة والبناء والتشييد، وإن كنا ما زلنا نطمح وننتظر المزيد والمزيد.