لاشك أن السؤال عن هل يجوز للزوج رد طليقته شفويا ؟، يعد من أهم المسائل التي فيها بعض اللبس والحيرة بين كثير من الأزواج ، فيما أن الزواج ميثاق غليظ والطلاق أبغض الحلال عند الله تعالى، فلا ينبغي التهاون فيه أو الاستهانة به، ومن ثم ينبغي الوقوف على حقيقة هل يجوز للزوج رد طليقته شفويا ؟.
هل يجوز للزوج رد طليقته شفويا
قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إنه في مسائل الطلاق ينبغي التحقيق مع الزوج لتبين إذا كان الطلاق يقع أم لا ، فوقوع الطلاق من عدمه يتوقف على نية الزوج .
وأوضح “ ربيع” في إجابته عن سؤال: هل يجوز للزوج رد طليقته شفويا ؟ فزوجي طلقني ورجعني شفوي فماذا أفعل ؟، أنه يجب أن نحقق مع الزوج، فالزوجة يمكن أن تأتي إلى دار الإفتاء المصرية على سبيل الاستئناس، ولكن لابد من تواصل الزوج حضورياً.
وأضاف أن من المهم أن نحاول إقناع الزوج بأن ما قاله قد يكون فيه شيء حرام، وقد تكون حياتهم التي يعيشونها بها شيء غير صحيح، منوهًا بأن الكلمة التي دخلوا بها بالحلال، قد تخرجهم بكلمة واحدة إلى الحرام.
وتابع: قبل أن نرى أساساً هل وقع الطلاق أم لا، يجب علينا تقييم هذا، يجب على الزوج أن يتوجه إلى دار الإفتاء، لنقوم بالتحقيق معه، وبناءً على ذلك، إذا كان الطلاق قد وقع، يمكننا العودة إليه بطريقة ما، وإذا لم يكن قد وقع، فهو كأن لم يكن.
كيفية الرجعة بعد الطلاق
ورد أن الرجعة: هي إرجاع الرجل زوجته بعد طلاقها طلقة أولى أو ثانية طلاقاً غير بائن خلال فترة العدّة دون عقد ولا مهر جديدَين؛ للمحافظة على الزواج، قال الله -تعالى-:(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وقد شرَع الله -سبحانه وتعالى- للزوج الحقّ في إرجاع زوجته إلى عصمته خلال فترة العدّة برضاها أو بغير رضاها؛ وذلك لأحقّيته في ذلك؛ حيث ذُكِر في القرآن الكريم قوله -تعالى-:(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا).
كيفية الرجعة في الطلاق الرجعي
ورد أنه إذا طلّق الرجل امرأته طلاقاً غير بائن وكانت ما تزال في فترة العدّة، فله أن يُرجعها إلى عقد نكاحه، ومن السنّة الإشهاد على الرجعة، وقال بعض الفقهاء بوجوب الإشهاد في ذلك، وتكون الرجعة بكيفيّتَين اثنتَين، هما:
- الرجعة بالقول وتكون بقول الرجل لامرأته: "أرجعتك"، أو "رددتُك إلى عصمتي"، أو "ارتجعتك"، وهذه أقوالٌ صريحةٌ في الرجعة تصحّ بلا نيّة، أمّا إذا كانت الأقوال تدلّ دلالة على الإرجاع، مثل: "أنتِ عندي كما كُنتِ"، فيلزمه استحضار النّية، وسؤاله عن مقصده، وقد اتّفق الفقهاء على صحّة الرجعة بالقول، أو ما يقوم مقامه إذا تعذّر القول، مثل: الإشارة المفهومة من الأخرس، أو الكتابة الواضحة.
- الرجعة بالفعل اختلفت أقوال الفقهاء في كيفيّة الرجعة بالفعل، على النحو الآتي: الحنفية ذهبوا إلى صحّة الرجعة بالفعل إن كان بجماع أو مُقدّماته. المالكية تحصل الرجعة بالفعل من جماع ومُقدّماته، بشرط الإتيان بنيّة الإرجاع. الشافعية لا تصحّ الرجعة بفعلٍ من جماع أو مُقدّماته*، ولا تصحّ إلّا بالقول فقط. الحنابلة تصحّ الرجعة بالجماع فقط، ولا تصحّ بما دونه من مُقدّمات الجماع.
كيفية الرجعة في الطلاق البائن
ورد أن الرجعة تكون في الطلاق الذي يستقل فيه الزوج بإرادة الإرجاع دون أن يقيده عقد جديد أو طلب رضا أحد، وكذلك كما يتبين في شروط الرجعة إذ يشترط أن تكون من طلاق رجعي، وبناء على ذلك فالطلاق البائن لا رجعة فيه، وإنما تعاد الزوجية بالطريقة الآتية.
- إذا كانت الرجعة في الطلاق البائن بينونة صغرى كمن طلق زوجته دون الثلاث طلقات ولم يرجعها وانتهت عدتها ثم أراد إعادة الحياة الزوجية، فكيفية ذلك حينها بإجراءات مثل النكاح الجديد إذ يشترط المهر، والولي، والعقد الجديد، ورضاها.
- إذا كانت الرجعة من طلاق بائن بينونة كبرى كمن طلق زوجته الطلقة الثالثة فإنه لا يصح له إرجاعها ولو أثناء العدة إلا بشرط أن تتزوج زوجاً غيره فيطلقها أو يموت عنها، حينها يمكنه تزوجها من جديد بعقد ومهر جديدين وبرضاها.
شروط الرجعة بعد الطلاق
يجوز للزوج إرجاع زوجته إن طلّقها ضمن شروط، سواءً كانت الطلقة الأولى أم الثانية وذلك على النحو الآتي:
- أن يكون الزوج ذا أهليّة إذ يجب أن يكون عاقلاً بالغاً؛ فالرجعة لا تجوز لمُرتَدّ، أو سكران، أو مجنون، أو صبيّ؛ لأنّهم لا يملكون الإرادة الكاملة.
- أن يتمّ الدخول الصحيح بالزوجة إذ يجب أن تكون قد طُلِّقت بعد الدخول، أمّا إذا كان الطلاق قبل الدخول فلا توجد رجعة في هذا الطلاق؛ وذلك لعدم وجود عدّة للمرأة المُطلَّقة قبل الدخول؛ بدليل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).
- أن يُشرَع في الرجعة بالفعل، أو القول بعد الطلاق الرجعيّ.
- أن لا تكون الرجعة بعد الطلقة الثالثة فالرجعة تكون بعد طلاق رجعيّ؛ أي طلقة أولى أو ثانية فقط؛ لأنّ الطلقة الثالثة تكون طلاقاً بائناً بينونة كُبرى، ولها أحكامها الخاصة.
- أن تكون الرجعة خلال فترة العدّة في الطلقة الأولى والثانية ولا تجوز بعد انتهاء عدّة الطلاق؛ وهي ثلاث حيضات لذوات الحيض وثلاثة أشهر قمرية للواتي لا يحضن.
- أن لا يكون الطلاق مقابل عِوض لأنّ الطلاق مقابل عوض مدفوع للزوج يكون طلاقاً بائناً، وليس طلاقاً رجعيّاً.
- أن تكون صيغة الرجعة مباشرة فلا يجوز أن تكون الرجعة مشروطة بفعلٍ ما، كأن يقول: "راجعتك إذا جاء فلان"، ولا أن تكون مُحدَّدة بزمنٍ، أو يومٍ، أو شهرٍ، كأن يقول: "راجعتك بعد أسبوع".
حكم إعلام الزوجة بالرجعة بعد يمين الطلاق الشفوي
وكانت دار الإفتاء المصرية، قد أفادت بأن الرجعة هي كما يقول الإمام الدردير المالكي في كتابه "الشرح الكبير" (2/ 415): [عود الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد العقد] اهـ، وهي مشروعة بالكتاب والسنة: قال تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [البقرة: 228].
وأشارت إلى أنه قد طلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ثم راجعها؛ كما أخرجه أبو داود والحاكم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهي مباحة في أصلها، وتعرض لها الأحكام المختلفة، وهي حق للزوج.
وبينت أنه ذهب جمهور الفقهاء إلى أن إعلام الزوجة بالرجعة مستحب وليس واجبًا؛ ووجه الاستحباب قطع المنازعة التي تنشأ بين الرجل والمرأة؛ قال الإمام العيني الحنفي: ويستحب أن يُعلِمها، أي يُعلم المرأة بالرجعة.
واستطردت: فربما تتزوج على زعمها أن زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدتها ويطؤها الزوج الجديد، فتكون عاصية بترك سؤال زوجها الأول، وهو يكون عاصيًا بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحت الرجعة؛ لأنها استدامة النكاح القائم، وليست إنشاء.
وواصلت: فكان الزوج متصرفًا في خالص حقه، وتصرف الإنسان في خالص حقه لا يتوقف على علم الغير. يراجع في هذا: "البناية على الهداية" (4/ 597)، و"المحلى" لابن حزم (10/ 251)، و"تفسير القرطبي" (18/ 159). فإذا كان إعلام الزوجة مستحبًّا وليس واجبًا فلا يجب أن تكون الرجعة في حضورها ولا في مواجهتها من باب أولى.