قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

شحاته السيد يكتب: من الخوارزميات إلى السياحة.. أين نحن؟

×

اليوم، نجد أنفسنا أمام مرحلة جديدة من تطور البشرية، مرحلة تنطوي على تحولات جذرية تقودها تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، هذا المصطلح الذي أصبح مألوفًا، لكنه يحمل بين طياته قصة عميقة تبدأ من الفكر الفلسفي وتصل إلى ما نحن عليه اليوم، بعدما تحول إلى قوة محورية تشكل ملامح الحاضر والمستقبل.
تعود فكرة الذكاء الاصطناعي إلى أحلام لطالما راودت العلماء والفلاسفة على مر العصور، وبدأت واقعياً في القرن العشرين، وتحديدًا عام 1956، حيث شهد العالم أولى الخطوات نحو تحقيق هذا الحلم على أرض الواقع، عندما اجتمع مجموعة من العلماء في مؤتمر دارتموث بالولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا المؤتمر، طرح جون مكارثي، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، فكرة إنشاء آلات تحاكي التفكير البشري. ومن هنا، انطلقت رحلة طويلة من البحث والتطوير لتحويل تلك الأفكار إلى واقع ملموس.
مع مرور الوقت، شهد الذكاء الاصطناعي تطورًا هائلًا، انتقل من كونه مجرد نظرية إلى تطبيقات عملية أثرت في مختلف جوانب حياتنا، وفي الستينيات والسبعينيات، ظهرت بوادر هذا التقدم في مجالات مثل معالجة اللغة الطبيعية، حيث طُور العلماء برامج قادرة على تحليل وفهم النصوص البشرية، ومع دخول الثمانينيات والتسعينيات، تسارعت وتيرة هذا التطور بفضل تقدم الحوسبة وقدرة الحواسيب على معالجة كميات ضخمة من البيانات، مما مهد الطريق نحو حقبة جديدة من الابتكارات.
في العقود الأخيرة، تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لأنه لم يعد مجرد أداة تقنية، بل أصبح ركيزة أساسية في العديد من المجالات، هذا بفضل تقنيات مثل تعلم الآلة والتعلم العميق التي أصبحت قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات واستخلاص أنماط دقيقة، مما أتاح لنا رؤية مستقبلية أوسع.
اليوم، نرى الذكاء الاصطناعي في كل مكان، من الهواتف الذكية التي نعتمد عليها في التواصل والتصفح، إلى السيارات ذاتية القيادة التي أصبحت جزءًا من واقعنا، وحتى في مجال الطب والرعاية الصحية، والتي نشاهد بأعيننا عبر الفضاء الرقمي كيف ساهمت هذه الأنظمة الذكية في تشخيص الأمراض بدقة فائقة وتقديم حلول علاجية تتجاوز قدرات الأطباء في بعض الأحيان.
لكن هذا التقدم المتسارع يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن يقدمه لنا في ظل هذا التطورالمتغير لحظياً؟
يبرز الحديث عن مستقبل "الذكاء الاصطناعي العام"، وهو مرحلة يتوقع فيها العلماء أن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى من القدرة على التعلم والتفكير يشابه العقل البشري، وربما يتجاوزه في بعض المهام، وأقول من واقع اطلاعي كباحث في علوم التكنولوجيا وكصانع لهذه التقنيات، أن هذا التطور يتجاوز نطاق التقنيات التي نعرفها اليوم، إذ يُتوقع أن يتمكن الذكاء الاصطناعي العام من التفكير بشكل مستقل وحل مشكلات جديدة دون الحاجة إلى تدريب مسبق.
ولعل الحديث عن الذكاء الاصطناعي العام يأخذنا سريعاً لنلقي نظرة على المخاوف الحقيقية التي تتعلق بالأخلاق والخصوصية والسيطرة، لأن هذه التقنية تفتح الباب أمام إمكانيات غير مسبوقة، توجب علينا أن نكون مستعدين لمواجهة هذه التحديات التي قد تنجم عن ذلك.
وإلى جانب هذه المخاطر خطر ببالي سؤال: أين نحن من هذا المشهد العالمي؟ وكيف يمكننا الاستفادة من هذه الثورة التقنية بدلًا من أن نكون مجرد متلقين لها؟
في بلدي الحبيبة مصر أضرب مثالاً واقعياً يمكننا أن نستخدم فيه هذا التقنيات لدعم قطاع السياحة، الذي يُعد أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، تخيل معي عزيزي القارئ أننا نستطيع، بضغطة زر واحدة، استقطاب ملايين السياح من جميع أنحاء العالم! قد يبدو الأمر بعيد المنال، لكن مع التطور الهائل في الذكاء الاصطناعي، يمكن تحقيق ذلك بسهولة.
كيف؟ عبر تطوير أنظمة ذكية تستند إلى تحليل البيانات الضخمة، يمكننا تحديد اهتمامات السياح المحتملين من مختلف الدول وتقديم عروض مخصصة تناسب تلك الاهتمامات، هذه الأنظمة يمكنها، على سبيل المثال، تحليل محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي لتحديد ما يبحث عنه الناس في وجهة سياحية معينة، ثم توجيه الحملات الترويجية بشكل دقيق لتحقيق أقصى تأثير.
على سبيل المثال، يمكن لنظام ترويجي ذكي أن يكتشف اهتمام مستخدم معين بالتاريخ الفرعوني، فيقوم بعرض حزم سفر مخصصة تشمل زيارات إلى المواقع الأثرية الرئيسية في مصر، مع تسليط الضوء على التجارب الفريدة والأنشطة المتاحة في كل موقع. هذا النهج لا يساهم فقط في جذب المزيد من السياح، بل يضمن أيضًا تقديم تجارب تتوافق مع اهتماماتهم وتوقعاتهم.
هذا بشكل مبدئي لأن الذكاء الاصطناعي أصبح لديه القدرة على تحليل مشاعر الجمهور بشكل دقيق جداً وبالتالي بات من السهل استقطابهم وتوجيه الحتوى الترويجي المناسب لرغباتهم، وهنا أعني أن يكون المحتوى مبتكراً وجذاباَ.
يمكننا أيضاً بفضل هذا التطور أن نستخدم تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) التي أصبحت من أبرز الأدوات التي يمكن استخدامها لتقديم تجارب سياحية غامرة تنقل الزائرين إلى قلب الحضارة المصرية القديمة عبر تطبيقات الواقع الافتراضي، هذا ينقل المستخدمين إلى جولات افتراضية أشبه بالواقعية في أهرامات الجيزة أو معابد الأقصر مثلاً، ليستمتعوا بتفاصيل دقيقة وتجارب تفاعلية تحاكي الواقع بشكل مدهش، يشجعهم هذا على القدوم إلينا بكل حماس لرؤية ما شاهدوه افتراضياً، ولعل أيضاً التطور التقني ساهم بشكل كبير في خفض تكلفة إنشاء هذا النوع المهم من الترويج.
نستكمل الإبداع في المحتوى بتحويل الزوار إلى مروجين؛ وهنا أقصد مصطلح اسمه "الترويج العكسي" وهو يعني تحويل الزوار والسياح إلى مروجين نشطين للوجهة السياحية المصرية عبر مشاركتهم لتجاربهم الإيجابية مع شبكاتهم الاجتماعية، ونستغل في هذا النوع من الترويج قوة الذكاء الاصطناعي في تصميم تجارب فريدة وجذابة تشجع الزوار على مشاركة لحظاتهم المميزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يخلق موجة من الاهتمام والتفاعل.
يمكن تحقيق هذا الترويج من خلال إنشاء مواقع تصوير فريدة تستخدم تقنيات رقمية متقدمة، أو تقديم تطبيقات تفاعلية تسمح للزوار بإنشاء محتوى شخصي مبتكر يعكس تجربتهم في مصر. هذه المشاركات يمكن أن تنتشربسرعة، مما يساهم في تعزيز صورة مصر كوجهة سياحية حديثة ومبتكرة.
بينما نسير في سياق الترويج لا ننسى الترويج النقدي وهو أحد الأساليب الفعالة لجذب السياح من خلال تقديم عروض وخصومات مخصصة تعتمد على تحليل البيانات السلوكية والتفضيلية للمستخدمين؛ يتم هذا باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن تصميم عروض تناسب احتياجات وميزانيات مختلف الفئات المستهدفة، مما يزيد من جاذبية الوجهة السياحية ويسهم في زيادة الحجوزات والإيرادات.
على سبيل المثال، تنشئ شركات السياحة والطيران منصات الحجز مدعومة بالذكاء الاصطناعي ونستغل هذه القوة الذكية في تقديم خصومات خاصة للمسافرين الذين يظهرون اهتمامًا بزيارة مصر خلال مواسم معينة، أو تقديم حزم سفر متكاملة تشمل الإقامة والجولات والأنشطة بأسعار تنافسية، بناءً على تحليل أنماط الحجز والتفضيلات السابقة.
أضف إلى ذلك، الترويج التاريخي والمحاكي للتاريخ وهو يعني إحياء الماضي بلمسة عصرية، هذا بفضل التطور التقني الذي يتيح لنا إعادة إحياء الأحداث التاريخية وعرضها بطرق مبتكرة وجذابة عبر استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، يمكننا أن ننقل الزوار ليعيشوا تجربة غامرة تعيدهم إلى عصور مصر القديمة، مما يضفي بعدًا جديدًا على فهمهم وتقديرهم للتاريخ والثقافة المصرية.
على سبيل المثال، يمكن تطوير تطبيقات VR تتيح للمستخدمين مشاهدة وإعادة تمثيل لحظات تاريخية مهمة، مثل بناء الأهرامات أو تتويج أحد الفراعنة، مع تقديم سرد تاريخي دقيق وتفاصيل بصرية مذهلة.
هذه التجارب لا تثري فقط معرفة الزوار، بل تخلق ارتباطًا عاطفيًا وثقافيًا أعمق مع التراث المصري.