في خضم الصراعات الإقليمية المتأججة في منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط، تظل مصر محورية في صياغة التوازنات التي تحفظ الأمن والاستقرار، ليس فقط داخل حدودها، بل عبر المنطقة بأكملها. إن إثيوبيا، التي تسعى جاهدة لتوسيع دائرة الصراع الإقليمي، تجد نفسها اليوم في مواجهة نتائج سياساتها، التي تُعد هروبًا من أزماتها الداخلية ومحاولة لتغطية مُعضلاتها أمام الرأي العام. لكن الحقائق تُثبت أن نيران الحرب التي تحاول إشعالها ستلتهمها قبل أن تصيب الآخرين، ولن تتوقف آثارها عند حدود الإقليم فقط، بل ستصل تداعياتها إلى ما هو أبعد من ذلك.
تتجاهل إثيوبيا، عن عمد أو جهل، أن هناك قاعدة تاريخية ثابتة تؤكد أن توسيع دائرة الصراع هو مغامرة خاسرة لا تحقق سوى المزيد من الخراب. في الوقت الذي يزداد فيه الصراع الإقليمي حدة، تبرز القاهرة كعاصمة للقرار والحكمة، مقدمة نموذجًا في كيفية التعامل مع الأزمات المتشابكة التي تعصف بالمنطقة. في هذا السياق، يأتي دعم مصر لاستقرار الصومال ليشكل ركيزة أساسية في استراتيجيتها لتعزيز الأمن الإقليمي، حيث أدركت القيادة المصرية أن بقاء هذا البلد مستقراً يعني تقويض أي محاولات من إثيوبيا أو غيرها لزعزعة أمن المنطقة.
إن موقف مصر الراسخ والداعم لسيادة واستقرار الصومال أثار دهشة وقلق أديس أبابا، التي كانت تعتقد أن القاهرة منشغلة بقضايا إقليمية أخرى تهدد أمنها القومي. هذا التصور الخاطئ هو نتاج حسابات إثيوبية غير دقيقة، حيث راهنت إثيوبيا على تكرار سيناريوهات سابقة، كما حدث عام 2011، عندما استغلت الفوضى الإقليمية لتحقيق مكاسب على حساب الأمن القومي المصري. لكن هذه المرة، يبدو أن الحسابات الإثيوبية جاءت خاطئة تماماً.
في الواقع، أدركت القاهرة أن التعامل مع التهديدات الأمنية لا يتطلب التركيز على جبهة واحدة فحسب، بل يستدعي العمل على جميع المحاور وبنفس القوة والسرعة. ولقد أثبتت الأحداث أن مصر الجديدة تملك القدرة على التصدي لأي محاولات لتهديد أمنها القومي، بفضل استراتيجياتها المتكاملة التي تُدار بحكمة وحنكة. إن التحرك المصري لدعم الصومال لم يكن فقط للحفاظ على الأمن الإقليمي، بل جاء أيضًا لإرسال رسالة واضحة إلى أديس أبابا مفادها أن مصر تظل الرقم الصحيح في معادلة المنطقة، وأنها قادرة على مواجهة التحديات بفعالية وذكاء.
تستمر "الأطراف المأزومة" في المنطقة، مثل إثيوبيا، في محاولة توسيع دائرة الصراع، متصورة أن ذلك سيغطي على أزماتها الداخلية أو يخفف من ضغوط الرأي العام المتصاعد ضدها. لكن هذه الأطراف تُخطئ في تقديرها للعواقب، إذ أن نيران الصراع التي تلوح في الأفق لن تبقي ولن تذر، وستحرق من أشعلها قبل غيره، وتمتد آثارها إلى خارج حدود الإقليم.
إن الرهان على التصعيد العسكري والسياسي كحل للأزمات الإقليمية هو رهان خاسر، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد والتدهور. يُخطئ من يعتقد أن هناك حلولاً أخرى لمُعضلة الشرق الأوسط غير العودة إلى مربع الحكمة، وإقرار مبادئ السلام، وإعلاء حق الشعوب في تقرير مصيرها وفقاً لمعايير عادلة وموحدة. في هذا السياق، يظل صوت مصر هو الصوت الذي يعلو بالحكمة والرُشد، وسط صراخ وضجيج لا يُسمن ولا يُغني من جوع في بعض العواصم، وصمت خائف قليل الحيلة في عواصم أخرى.
لقد أثبتت مصر مرارًا وتكرارًا أنها الرقم الصحيح للمعادلة الإقليمية، القادرة على تقديم الحلول الناجعة للأزمات المستعصية. إنها تدرك تمامًا أن القوة وحدها لا تصنع استقرارًا، وأن الحلول السياسية المبنية على الحوار والمصلحة المشتركة هي السبيل الوحيد للخروج من دوامة الصراعات التي تبتلع المنطقة. في ظل هذه الظروف، تبقى مصر قادرة على قيادة المنطقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا، مستندةً إلى تاريخها الطويل في الدفاع عن القضايا العادلة وحماية أمنها القومي.
في سياق الشرق الأوسط، حيث تتشابك مصالح الدول الكبرى والإقليمية، تظل مصر رقماً صعباً في معادلة الاستقرار الإقليمي. ولعل ما تمر به المنطقة من صراعات وأزمات يؤكد على أهمية الدور المصري في تحقيق التوازن وحفظ الأمن. فقد كانت مصر دائماً تتبنى سياسة خارجية حكيمة تقوم على الحوار والاحترام المتبادل، وتسعى إلى إقرار مبادئ السلام وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. هذه السياسة جعلت من مصر مركزاً للحكمة والرُشد في منطقة تموج بالصراعات والتوترات.
وبالنظر إلى تاريخها الطويل، نجد أن مصر لم تكن فقط دولة تسعى لتحقيق مصالحها الذاتية، بل كانت دائماً تحمل على عاتقها مسؤولية أوسع، تتعلق بحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة. هذه المسؤولية تتجلى في دورها الريادي في دعم القضايا العربية والإفريقية، وفي تبنيها لمواقف تدعم العدالة والسلام. ويأتي دعم مصر لاستقرار الصومال كجزء من هذه الاستراتيجية الشاملة، التي تسعى إلى منع أي تهديدات جديدة قد تؤثر على الأمن الإقليمي.
وهكذا، فإن مصر تحمل في طياتها مزيجاً من التحديات والفرص. فالتحديات التي تواجهها مصر اليوم ليست جديدة، بل هي امتداد لتلك التحديات التي واجهتها عبر التاريخ. ومع ذلك، فإن مصر تمتلك من الخبرة والحكمة ما يؤهلها للتعامل مع هذه التحديات بفعالية. لقد تحالف التاريخ مع الجغرافيا ليحكما على مصر بأن تكون دائماً في قلب الأحداث، لاعباً أساسياً في كل ما يجري في المنطقة.
لكن، ورغم كل هذه التحديات، تظل مصر صامدة، محافظة على دورها الريادي في المنطقة. إنها تظل الرقم الصحيح في معادلة الاستقرار الإقليمي، وجملة الحل الناجز لأي صراع يهدد أمن المنطقة. ومثلما كانت مصر دائماً باعثة للفخر والمجد، فإنها اليوم تقف على عتبة مرحلة جديدة، حيث تستعد لمواجهة تحديات المستقبل بنفس الروح التي واجهت بها تحديات الماضي. تظل مصر، كما كانت دائماً، دولة تجمع بين عبقرية المكان وعمق التاريخ، لتحافظ على مكانتها كواحدة من أعرق وأقوى الدول في المنطقة.