مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا يزال النزوح القسري المتكرر يشكل ألما متجددا، ويوميا في حياة مواطني القطاع، الذين ينزحون مرة تلو الأخرى، بفعل استمرار العمليات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتوسيعها من منطقة إلى منطقة، الأمر الذي يشكل عبئا نفسيا وجسديا عليهم، ناهيك عن العبء المالي رغم الحالة الاقتصادية المزرية في قطاع غزة، وتوقف السواد الأعظم عن العمل.
النزوح القسري في غزة
وفي هذا السياق، كشف الصحفي الفلسطيني سامح الجدي أنه حينما تصدر أوامر الإخلاء الإسرائيلية لسكان القطاع، فإن عملية الانتقال من مكان لآخر تستدعي استئجار شاحنة، حتى ينقل النازح مستلزمات أسرته وأمتعته من أغطية وفرشات وخيم، وملابس أبنائه، فيحتاج أي نازح إلى مبلغ مالي لا يقل عن 300 دولار بالحد الأدنى لأي عملية نقل خلال النزوح القسري، هذا إذا وجد مكان يقطن فيه أصلاً، جراء التكدس الكبير للنازحين وحصرهم في بقعة جغرافية ضيقة للغاية.
ويؤكد "الجدي" في تصريحات لـ"صدى البلد" أن مئات الآلاف من المواطنين الغزاويين يعانون من مرارة النزوح المتكرر والمستمر، حيث يأمر جيش الاحتلال سكان مناطق وأحياء وتجمعات سكنية لإخلائها تمهيداً لقصفها وتدميرها والتوغل إليها واحتلالها في بعض الأحيان، ما يضطر هؤلاء النازحون إلى اللجوء إلى بيوت أقربائهم أو أصهارهم أو أصدقائهم، ويذهب البعض منهم لإقامة خيام لهم في الشوارع والمدارس أو أماكن آخرى مثل الملاعب والسجون والأندية، في ظل ظروف إنسانية صعبة للغاية، إذ تنعدم فيها مقومات الحياة الأساسية.
الحياة في غزة تحولت إلى طوابير
ورصد "صدى البلد" معاناة النازحين الفلسطينيين في غزة، ومن منطقة الزوايدة وسط القطاع، يروى المواطن الفلسطيني ماهر أبو عمشة "56 عاما" تجربة نزوحه مع أسرته المكونة من تسعة أفراد في خيمة بدائية صنعها بيده من الخشب والنايلون المقوى، وبعض القماش، تفتقر لأي من مقومات الحياة.
ويواجه "أبو عمشة" صعوبة بالغة في توفير المياه والدواء والطعام، ويعاني من انتشار الأمراض والأوبئة نتيجة الاكتظاظ الشديد في مركز الإيواء الذي لجأ إليه قسراً بسبب العدوان الإسرائيلي.
ويروي "أبو عمشة" عن تجربته لـ"صدى البلد"، بالقول "نزحت من حي الشجاعية بمدينة غزة إلى مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، وبعدها عند اجتياح مدينة رفح اضطررت لمغادرتها إلى محافظة الوسطى وتحديداً إلى منطقة الزوايدة، وقمت بشراء خيمة جديدة ومستلزمات معيشة مرة أخرى، لأننا تركنا كل شيء خلفنا في رفح تحت وقع الضربات الإسرائيلية، وهنا نحن نعاني بسبب النقص الشديد في مياه الشرب والغذاء ومواد التنظيف حيث تحولت حياتنا إلى طوابير في كل شيء".
وتابع: المكان الذي نزحنا إليه لا توجد به بنية تحتية، وتنتشر فيه النفايات ومياه الصرف الصحي، كما نعاني في ظل هذا الواقع من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش في ظل عدم توفير موارد مالية، ودفعنا المبالغ الكبيرة في عملية النزوح لاستئجار شاحنات لنقل الأمتعة.
عودة مشاهد النكبة 48 في 2024
ولا يختلف رأي المواطن الفلسطيني بلال محمد الذي نزح من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، عن رأي سابقه إذ يقول: رحلة النزوح المتكررة جرح غائر لا يندمل بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي، إذ أننا في كل مرة ننزح من مكان إلى آخر، وما أن نستقر فيه حتى يأتينا إنذار جديد بالإخلاء، الأمر الذي يدخلنا في رحلة عذاب جديدة في مشهد يعيدنا بالأذهان إلى هجرة أجدادنا في العام 1948.
ويسرد المواطن الفلسطيني محمد الصعوبات التي يواجهها في كل مكان نزح إليه قائلا: حتى أوفر لأسرتي شربة ماء صالحة أذهب لمسافة أكثر من نصف كيلو متر، وكذلك حتى أوفر بعض الطعام أذهب لمسافة حوالي كيلو متر، وأضاف: أصعب شيء في موضوع النزوح هو البعد النفسي الذي تدخل فيه الأسرة خلال رحلة النزوح المريرة.
ويستطرد المواطن محمد باكيا: أصعب شيء في رحلة النزوح فقدي لوالدتي مريضة السرطان، حيث توفيت أمامي ولم أستطع فعل شيء لها، فشعرت بالعجز الكبير حينها، والمؤلم في وفاة الوالدة أنها ماتت بعيدة عن مكان سكنها الأصلي في مدينة بيت لاهيا، ولم نقم لها عزاء ولم يشارك في دفنها بعض أبنائها وبناتها.