ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور عبدالفتاح العواري، العميد الأسبق لكلية أصول الدين بالقاهرة وعضو مجمع البحوث الإسلامية ، والتى دار موضوعها حول "خلق الرحمة".
الرحمة خلق عظيم
وقال د. العواري، إن شريعة الإسلام الغراء بنيت على اليسر ورفع الحرج، فهي كلها رحمة، وحامل لواء الشريعة أسعد الخلق محمد ﷺ هو رحمة الله للعالمين، تحقيقاً لقوله تعالي: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وقوله ﷺ: (يا أيُّها النَّاسُ إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ)، وقوله: (لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا).
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن الرحمة خلق عظيم، وهي من محاسن الأخلاق، وصف الله بها نفسه، في قوله تعالى: "الرحمن الرحيم"، بل كتبها على نفسه، فقال تعالي: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾، تفضلاً منه وإحساناً، إذ لا يجب على الله شيء.
وأوضح أن الله عزّ وجلَّ خلق الخلق وأوجد الرحمة بينهم، وجعل جزءا من رحمته يتراحمون به فيما بينهم، وادخر تسعة وتسعين جزءًا عنده فى الدار الآخرة، وهي خلق تحتاجه البشرية جمعاء، بل المخلوقات كلها في حاجة إليه، ليتراحم الخلق فتقع الطمأنينة ويتحقق الأمن، وينشد الناس بالرحمة السلام المفقود فيما بينهم، فالمسلمون أولى الناس بالرحمة من غيرهم لأن دينهم دين الرحمة، ولأن نبيهم نبي الرحمة، ولأن شريعتهم شريعة الرحمة.
وتابع خطيب الجامع الأزهر: لا ينبغي على مسلم أن يغادر موطناً من مواطن الرحمة، بل عليه أن يتحلى بها وأن تكون واقعاً ملموساً، فلا ضغينة ولا حقد، ولا أنانية ولا بغضاء ولا شحناء، ولا غيظ ولا ضيق ولا قسوة، فكل ذلك يتنافى مع معنى الرحمة الذي ركزه الله في فطرة الإنسان، فجاء الإسلام يأمرك لتكون متحلياً به مع نفسك وربك، ومع أولادك وجيرانك والناس أجمعين، فالرحمة يحتاجها الكبير والصغير، فإن منعتها عنه، فلن تنال من رحمة الله شيئاً، قال ﷺ: (من لا يَرحم لا يُرحم)، والرحمة يحتاجها الزوج والأقارب والجيران، والطير والحيوان، وكل ما خلق الله، قال ﷺ: (دخَلَتِ امرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ، ربَطَتْها، فلَمْ تُطْعِمْها، ولَـمْ تَسْقِها، ولَـمْ تُرْسِلْها فتَأْكُلَ مِن خَشَاشِ الأَرْضِ).
وأشار عضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى أن المسلمين فى أمس الحاجة إلى التحلي بخلق الرحمة في كل شيء فى المعاملات والعبادات، فهي مطلوبة من كل فرد، لأننا لو رحمنا أنفسنا وعشنا بها، لرحمنا الله برحمته التي وسعت كل شيء، يقول ﷺ: (رَحِمَ اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باعَ ، سَمْحًا إذا اشْتَرى ، سَمْحًا إذا قَضَى ، سَمْحًا إذا اقْتَضَى)، فالتحلي بخلق الرحمة هو تحلٕ بصفة من صفات الله، فلنكن رحماء بمن في الأرض، حتى يرحمنا من في السماء.
ولفت د. العواري ، إلى أن خلق الرحمة أصبح نادراً في حياة البشرية، فأرض الله تشكو قسوة ساكنيها، وتجأر إلي الله تشكو قسوة قلوبنا التي ملأتها الغلظة والفظاظة، فضاعت الرحمة وجفت منابعها وحلت مكانها القسوة، الأرض تئن من قساوة القلوب بسبب انعدام الرحمة، فنجد آلاف الأطنان من القنابل الفتاكة والأسلحة المحرمة تنزل علي رؤوس البشر؛ الشيخ في بيته، والعابد في صومعته، والعامل في مصنعه، والمعلم في مدرسته، والطبيب في مشفاه، والفلاح في حقله، تدمر البيوت وتهلك الحرث والنسل لأن الرحمة قد غابت.
ووجه نداء إلى البشر بأن يتحلوا بخلق الرحمة وأن يكونوا متراحمين فيما بينهم، وألا يقتل بعضهم بعضاً، وأن يصلوا أرحامهم المقطوعة حتى تشملهم رحمة الله الواسعة، ويفوزوا بجنات الله ورضوانه.