قال الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي ، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن العاقل وهو يقطع طريق رحلته في هذه الدنيا، ليتوقّفُ برهةً من عمر الزمان توقفَ المعتبر، فينظرُ إلى آثار خطواتِه، ويتأمَّلُ طريقَ مسيرتِه، وما في طوايا ذلك من تفويتٍ وتفريط، وتسويفٍ وتضييع، واغتباطاً بما أنجح من مقاصده وحقق من مآربه.
رحلة طويلة قصيرة
وأوضح " الحذيفي" خلال خطبة الجمعة الأخيرة في صفر اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أن هذه الدنيا رحلةٌ طويلةٌ قصيرةٌ، مفرحةٌ مبكية، فيها انكساراتٌ وانتصارات، ودموعُ حزنٍ وسرور، وراحةٌ ونَصَب، واجتماعٌ وافتراق، إنها سنة الله في هذه الدنيا.
واستشهد بما قال جل شأنه (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)، موصيًا بتقوى الله عز وجل، فإن تقواه أحصنُ المعاقل، وأعذبُ المناهل، وأنفعُ الذّخائر، فمن اتقى الله عَبِق طِيبُ شمائلِه، وأورقتْ غصونُ فضائلِه.
وأضاف أن التشبيهَ النبويَّ لحال المؤمن مع الدنيا وسرعة انقضائها ، قال عبدالله بن مسعود (نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ فقام وقد أثّر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاءً؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركها).
والسلام الداخلي
وأشار إلى أن المؤمن في هذه الحياة يعيش حالةً من الاستقرار النفسيِّ والسلامِ الداخلي، لأنه معلَّق القلب بخالق هذا الوجود، ممتلئُ الفؤادِ بحبه، متضلِّعُ الحنايا بتوحيده، مبيناً أن الإيمانَ الصادقَ يتخلَّلُ حنايا النفوسِ المنهَكةِ برداً وسلاماً، ورضاً ويقيناً، وسكينة وثباتاً، منوهًا بأن الحياة مع الإيمانِ حياةٌ طيبةٌ كريمةٌ مطمئنة.
وتابع : تتصاغَرُ أمامَها جبالُ المصاعبِ والشدائد، ويتهاوَى ركُامُ اللذائذِ والمطامع، فللإيمان حلاوةٌ يجد طعمَها في نفسه وأَثَرَها في قلبه مَن رسخ الإيمان في قلبه، لا تَصِفُ لذتَها ولا تحُدُّ حقيقتَها العباراتُ والكلمات، بل هي حقائقُ يعرفها أهلُ الإيمان، ويدركُها الصفوةُ من عباد الرحمن.
ونبه إلى أن الإيمان ليس معنى مجرَّداً من الحقائق، أو نظريةً لا تَرْجُمانَ لها في واقع الحياة، إنها عقيدةٌ يمتلئُ بها القلبُ فتفيضُ على النفس طمأنينةً وسكينةً ورضاً وسروراً، ثم تتسِعُ دائرتُها حتى تفيضَ على الإنسانية كلِّها سلاماً وسكينةً وعدلاً، مشيرًا إلى أن هذا الدينَ العظيمَ جاء لِيُعِيدَ صياغةَ الإنسانِ عقلاً ونفساً وروحاً وسلوكاً، فيكونَ على قَدْرٍ راسخٍ من القِيَم والأخلاق والسموِّ النفسيِّ والروحيِّ والعقليِّ في هذا الكون، مبيناً أن الإيمان بمعناه الأَرْحَبِ ربطٌ للمخلوق بالخالق، واتصالٌ لعالَم الشهادةِ بعالَم الغيب، فقال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).