قوانين الاقتصاد مُحدَّدة، وصعبة التبديل والتغيير، إلَّا فى مصر المحروسة؛ فبعد أحداث يناير، مرورًا بعام حكم الإخوان، ثم نهايةً بقيام ثورة 30 يونيو المجيدة، كانت الدولة على حافة الهاوية، ويُمكن القول بأنها كانت فى غرفة الإنعاش ولا نملك لها إلا الدعاء، وبالحسابات العلمية لأعمار الدول هى النهاية، ولم تكن تلك الحالة وليدة الصدفة بالطبع، وإنما تم الترتيب لها منذ سنوات لسقوط البلاد وانهيارها، وأعتقد أن حتى أولئك الذين حلَّلوا وقالوا إن فكرة التخطيط لإسقاط مصر هى محض خيالٍ، ليس بمقدورهم أن يتفوهوا بهذه الكلمات بعد كل هذه الأحداث التى حلَّت بنا.
والحمد لله لم تقع مصر ولن تقع، بل إنها نهضت من كبوتها سريعًا وأخذت فى البناء، وصنعت بنية تحتية ليس لها مثيلٌ فى فترة وجيزة لم تزد على العشر سنوات، وكادت أعداءنا الذين تساءلوا مرارًا وتكرارًا ساخرين هل يُمكن أن تُصبح مصر قوى اقتصادية عظمى يومًا ما؟ فالبنية التحتية أول حرفٍ من حروف الاستثمار، وها هى مُمهدة كالبساط، بحاجة فقط لمن يعرف طريقها، ليستفيد من خيراتها ومواردها.
لقد خُيِّل للبعض لحظةً بأن الرياح قد تأتى بما لا تشتهى السفن، ولكن مصر العصيَّة على الانكسار كان لها رأى آخر، وهو أنها هى الرياح والبحر والسفن، وها قد ظهرت كورونا بتوابعها المُزلزلة لأعتى الكيانات وأكبرها، ثم حرب روسيا وأوكرانيا التى ما زالت تدور رحاها حتى اليوم وتأثُّر العالم بها، ولم يحدث لدينا إلا ارتفاع تضخمى ضئيل، وذبذبة بأسعار بعض السلع، وكلها نتيجة طبيعية وصحية مع الأزمات ويُمكن السيطرة عليها وتجاوزها، ولكن الغريب الذى أزعج أعداء وطنى أن المصريين يتحلُّون بالصبر عازمين مع الدولة على تخطى الصعاب، والوقوف خلف زعيمهم لتظل مصر أم الدنيا لكل الدنيا.
لم يبقَ أمامنا الآن إلا النهوض بالاستثمار، وللحق أقول إن نسبة كبيرة من الاستثمارات التى دخلت البلاد خلال السنوات الماضية هى نتاج مجهودات (فردية)، لذلك كانت المشروعات العملاقة هى نجم الشباك، بينما تراجعت المشروعات الصغيرة بشكلٍ لا يخفى على كل ذى عينين، والمراقب للمشهد الاستثمارى عن كثب.
وأول وزير والذى حتمًا سيوضع فى "خانة اليك"، هو وزير الاستثمار السيد/حسن الخطيب، وهنا ملعبى -بحكم عملى- الذى أستطيع الحديث عنه وبقوة، فعندما تبحث عن عوائق الاستثمار فى مصر، خاصة على محرك البحث جوجل، إذ كلٌّ يُدلى بدلوه، تقرأ للوهلة الأولى "البيروقراطية"، التى تدمر كل شىء ناجح، وأيضًا صعوبة توفير الأراضى فى دولة لم يُستغل ربع أراضيها بعد، والتعقيدات التى تواجهنا عند إصدار التصاريح والتراخيص، وغياب التسهيلات فى السداد للأراضى ورسومها، وكل هذه البنود هى اختصار لجملة (مدام عفاف اللى فى الدور الرابع)، وهذه بلا شك أقوى عوائق الاستثمار فى مصرنا الحبيبة.
وللأسف الشديد سكنت مدام عفاف معظم أدوار الجهاز الإدارى، لذلك لا أرى أن منصب الوزير الآن هو امتيازٌ يُحسد عليه، كونه مثل الجرَّاح الماهر الذى يُجرى جراحة بأدواتٍ بدائية، فالقرارات القوية الصحيحة سهلة، ولكن يبقى التنفيذ على الأرض هو المعضلة التى تبحث عن حلٍ.
دائمًا ما يكون الظلام فى البيئة القاتمة التى لا يزورها بصيص الأمل فى الغد المشرق، وأرى أن الإعلام هو الضوء الذى باستطاعته أن يقضى على المساوئ والعقبات التى تُعيق بيئتنا الاستثمارية عن المضى قدمًا نحو النور، ولنا أن نتخيَّل أن وسائل الإعلام من صحافة وتليفزيون وإذاعة ووسائل تواصل اجتماعى على علمٍ وصِلة بالمستثمر، فكيف لموظف فى الجهاز الإدارى إذن أن يجرؤ ويقوم بتعطيل الإجراءات لأحدهم إذا ما سلّطت هذه الوسائط أضواءها ناحية الاستثمار، افتحوا الأبواب لتدخل الشمس الساطعة بنورها، والهواء النقى بعبيره ليكون لدينا استثمارٌ يليق بمكانة مصر.
كما يجب الاهتمام بالقطاع الخاص واستغلاله، وجذب رجال الأعمال الوطنيين ودمجهم بالمجتمع، فهناك مناطق حرة خاصة يُمكن أن نُجنّدها لمجموعة من هؤلاء تكون مخصصة للمشروعات الصغيرة والتى من بينها على سبيل المثال لا الحصر المشروعات الخاصة بإعادة تدوير القمامة، والتى يُمكننا أن نخلق منها أيضًا عشرات المشروعات النافعة لعصب الاقتصاد الوطنى كتلك الموجودة فى الحرف اليدوية التى يتميز بها غالبية المصريين.
لم أشعر قط باليأس، ودائمًا ما أكون متفائلة للغاية، ليس فقط لثقتى ببلدى ورجالها الشرفاء، ولكن لشهادات الخارج لنا، والدراسات التى تُجرى على بيئتنا الاستثمارية وتُبشِّرنا بالخير الوفير، فبالأمس القريب توقع بنك الاستثمار الأمريكى "غولدمان ساكس"، أنه بقدوم عام 2075 ستكون الصين الأولى اقتصاديًا، وسيصعد الاقتصاد المصرى إلى المرتبة السابعة عالميًا، مُتقدمًا على كل اقتصادات أوروبا، مع ناتج محلى إجمالى يتجاوز 10 تريليونات دولار، وفقًا لما اطلعت عليه "العربية نت"، والأكيد أنه فى خلال الخمسين سنة القادمة سيكون هناك تقدم تدريجى، ليحصد أولادنا وأحفادنا ما زرعته مصرنا ورئيسها الذى لم تهتز ثقته بربه لحظة واحدة وحارب من أجلها وهو يعلم علم اليقين بأننا من الفائزين.