تحدثت خلال سلسلة المقالات السابقة التي حملت عنوان "عبيد الإخوان" حول الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه جماعة الإخوان المسلمين، سعيًا منها لترسيخ فكرة دولة الخلافة واستعادة رياداتها بالاتفاق مع دول العدو على تمرير مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتحدثت أيضًا عن عبيد الإخوان من التيارات الأخرى الذين اختاروا لأنفسهم أن يكونوا مجرد أداة يستخدمها الإخوان في تنفيذ مساعيهم، في صورة أشبه بالعبد والسيد، فيما يتعلق بتنفيذ التعليمات بكل دقة دون مناقشة، كما جسدها الفنان عادل إمام في فيلم "الإرهابي" عندما كان يتحاور مع الفنان أحمد راتب فقال له: "لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي". الوضع كما هو الحال داخل التيارات الأخرى لا يمكن لها مناقشة أو جدال الإخوان فيما يتعلق بتنفيذ التعليمات الصادرة إليهم، وإلا سيكون التكفير جزاءهم.
منذ عام 2004، أمتنع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك رحمه الله عن زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، لاستشعاره أن الاتجاه الأمريكي بدأ في التحرك ناحية الشرق الأوسط بنظرة ورؤية وأيديولوجية جديدة، عقب سقوط بغداد، بالرغم من أنه اعتاد زيارة أمريكا مرتين خلال العام.
وكان يرصد بعناية ما يُحاك ضد المنطقة العربية ويتابع عن كثب ما يدور بالكواليس بين قيادات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية التي بدأت تفتح قنوات اتصال معهم وسعت لتمكينهم بشكل غير مباشر من 88 مقعدًا بمجلس الشعب في الانتخابات التي أجريت عام 2005 والتي وصفت حينها بأعنف انتخابات شهدتها الألفية.
في الحقيقة، لولا الدعم الأمريكي للإخوان، كان من المحال فوزهم بمقعد أو مقعدين على الأكثر، لولا التدخل الأمريكي وتدشين شبكة سرية أطلق عليها "تشبيك" جمعت التيارات الإثارية بالكامل مع قيادات جماعة الإخوان بها ليكون هناك ما أطلق عليه "الأيديولوجية الموحدة"، والتي بدأ العمل على تدشينها أثناء تولي كوندوليزا رايس وزارة الخارجية الأمريكية في 26 يناير عام 2005، وكان الهدف من تدشينها هو تأهيل الوضع السياسي للتحرك على قلب رجل واحد لإحداث حراك سياسي في الشارع المصري.
في الحقيقة، لم تدخر القوى الإثارية جهدًا في خدمة الإخوان والعمل على تمكينهم داخل النقابات المهنية والجامعات والعمل على توسيع القاعدة الشعبية التي يرتكز عليها ذلك التنظيم الذي استشرى كالسرطان في جسد الأمة.
كان الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على علم ودراية بتفاصيل كل اللقاءات التي كانت تتم بين جماعة الإخوان المسلمين وممثلي الإدارة الأمريكية في سويسرا وإسطنبول ولندن، بالإضافة لتفاصيل السعي الأمريكي لتجنيد الشباب المصري تحت زعم دورات تدريبية على كيفية متابعة الانتخابات، ولكنها في الأصل كانت دورات تدريب على كيفية إسقاط النظام، التي حضرت بنفسي إحداها ووثقتها وأخرجت تفاصيلها للعلن.
كما تم رصد توغل واختراق جماعة الإخوان لكل التيارات السياسية المتواجدة على الساحة، والادعاء والتصبغ بصبغة التيار ذاته لدرجة أنه يمكن أن تظنهم ليبراليين أكثر من البرادعي ذاته، ويمكن أن تراهم يساريين أكثر من كارل ماركس نفسه، ويمكن أن تراهم ناصريين أكثر من جمال عبد الناصر ذاته.
علينا أن نعترف أن جماعة الإخوان لديها قدرة هائلة وغير عادية في سرعة التلون والتصبغ أسرع من "الحرباء" والتوغل وسط الجماهير ونشر الفكر الذي يدعون إليه، وينجحون في اقتيادهم وحشدهم خلال وقت قصير.
اتبع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك نظرية التعامل الهادئ حتى لا يثير استفزاز الأعداء ويقطع عليهم الطريق في تنفيذ مساعيهم ومخططاتهم، ويتجنب الحصار الحدودي بإشعال الحروب والنزاعات المسلحة عبر حدودنا كما هو الحال اليوم، بخلاف الإرهاب.
ولكن كان لابد من الصدام، وقد كان في عام 2013، وأصبحت الدولة المصرية تعاني على كافة الأصعدة: أزمات اقتصادية، اشتعال الحدود، محاولات نشر الفوضى، الإرهاب، استغلال اللاجئين لبث الفوضى، ترويج الأكاذيب والشائعات، التشكيك في كل إنجاز يحدث، التشويه المتعمد لهروب المستثمرين، نشر فكرة البيع للصهاينة حتى يثور الشعب، بغرض وقف عجلة التنمية، لتضعف الدولة وتضعف معها إرادة الشعب المصري الذي يقف حائط صد خلف القيادة السياسية ضد أي عدوان.
عقد مؤخرًا، وتحديدًا في 21 أغسطس الحالي، لقاء جمع بين بعض العناصر الإثارية المفوضة عن قيادات تنظيم الإخوان المتسولين بالخارج أقصد المقيمين، وبعض العناصر الإثارية اللاجئة داخل البلاد القادمين إلينا من دولة إفريقية شقيقة تشترك معنا في الحدود، كان الهدف من ذلك اللقاء هو مناقشة إيديولوجية التحرك الصامت والتي سوف أتحدث عنها بالتفصيل في مقالة منفصلة، بغرض إطلاق الشرارة لتخرج الجماهير خلفهم كقطعان الأغنام وتوجيهها نحو أهداف محددة. عقد ذلك اللقاء بمدينة 6 أكتوبر بالجيزة في منزل أحد اللاجئين، ظنًا منهم أنه مكان آمن بعيدًا عن أعين أجهزة الأمن المصرية.
أكتفي بهذا القدر ونستكمل الحديث في المقالة التالية إن شاء الله.