صلاة الأوابين واحدة من السنن العظيمة، وقد اختلف العلماء في المقصود بصلاة الأوابين ووقتها على رأيين، سنرصدها في التقرير التالي والذي يسلط الضوء على مسمياتها وأوقاتها وأحكامها.
المقصود بصلاة الأوابين ووقتها
جاء اختلاف العلماء حول صلاة الأوابين على وجهين؛ الأول: أنها سنّة الضحى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» رواه مسلم، والمقصود عند اشتداد الحر في الهاجرة قبل الظهر، ومعنى «ترمض الفصال»: أي تتأذّى صغار الإبل من حرّ الرمال، ومقدارها ركعتان إلى ثماني ركعات.
أما أصحاب الرأي الثاني، فرأوا أنها صلاة بين المغرب والعشاء ذكرها الفقهاء، ويذكرون أنها عشرون ركعة لحديث الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى ستّ ركعاتٍ بين المغرب والعشاء كُتب له عبادة اثنتي عشرة سنة". وقال الماوردي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها ويقول: "هذه صلاة الأوابين". وفي سنن ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلّى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيتًا في الجنة".
النفل الذي بعد المغرب
وأوضح الدكتور علي جمعة، المفتي السابق، أن الأوّابين: جمع أوّاب، وهو المطيع، وقيل الراجع إلى الطاعة، ونص فقهاء الشافعية على أن صلاة الأوابين: تطلق بالاشتراك على صلاة الضحى وعلى النفل الذي يصليه الإنسان بعد المغرب إلى العشاء.
ونوه «جمعة» بأنه سمي النفل الذي بعد المغرب بصلاة الأوابين، لأن فاعله رجع إلى الله تعالى وتاب مما فعله في نهاره، فإذا تكرر ذلك منه دلّ على رجوعه إلى الله تعالى، ولو لم يلاحظ ذلك المعنى، ويسمى أيضًا بصلاة الغفلة؛ لغفلة الناس عنها واشتغالهم بغيرها من عشاء ونوم وغيرها، قال الشافعية: أكثرها عشرون ركعة بين المغرب والعشاء، وأقلها ركعتان، وسنة المغرب يمكن أن تندرج فيها.
واستكمل: مما ورد بشأن صلاة الأوابين وأنها صلاة الضحى؛ ما جاء في إطلاقها على صلاة الضحى من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» (أخرجه مسلم)، موضحًا أن الفصال: أولاد الناقة، ورمضت الفصال: أي حين تصيبها الرمضاء فتحرق أخفافها؛ لشدة الحر، فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد الحر فتحترق أخفافها.
واستدل بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد" (أخرجه البخاري ، ومسلم)، وفي رواية: "وأن لا أدع ركعتي الضحى فإنها صلاة الأوابين" ( مسند أحمد). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أَوَّاب قال: وهي صلاة الأوابين" (رواه الحاكم).
وبيّن أنه ورد ما يفيد أنها تطلق على النفل الذي يفعل بعد المغرب؛ من ذلك: ما رواه محمد بن المنكدر مرسلًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من صلى ما بين المغرب إلى صلاة العشاء فإنها صلاة الأوابين» وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «صلاة الأوابين ما بين أن يلتفت أهل المغرب إلى أن يثوب إلى العشاء» (رواه ابن أبي شيبة)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "صلاة الأوابين: الخلوة التي بين المغرب والعشاء حتى يثوب الناس إلى الصلاة" (رواه ابن المبارك في الزهد ). وعن أبي عقيل زهرة بن معبد قال: "سمعت ابن المنكدر وأبا حازم يقولان: تتجافي جنوبهم عن المضاجع: هي ما بين المغرب وصلاة العشاء، صلاة الأوابين" (رواه البيهقي).
وألمح المفتي السابق، إلى أنه ورد الحث عمومًا على الصلاة بين العشائين في بعض الأحاديث النبوية؛ من ذلك: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلَّى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة" (رواه الترمذي ، وابن ماجه). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى بين المغرب والعشاء عشرين ركعة بنى الله له بيت في الجنة" (رواه ابن ماجه).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلَّى ست ركعات بعد المغرب قبل أن يتكلم غفر له بها ذنوب خمسين سنة" (رواه محمد بن نصر المروزي في مختصر قيام الليل).
وعن عمار بن ياسر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال: "من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" ( رواه الطبراني).وعن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة أو سوى المكتوبة قال: "نعم بين المغرب والعشاء" ( رواه أحمد).
أحكام صلاة الأوابين
أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عدة أمور بشأن صلاة الأوابين أو صلاة الضحى وهي:
- صلاة الضحى صلاةٌ تُؤدَّى بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أي بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبًا، ويمتد وقتها إلى قبل الظهر بعشر دقائق تقريبًا.
- تسمَّى صلاة الضحى صلاة الأوَّابِينَ، أي: التَّوابين كثيري الرجوعِ إلى الله تعالى.
- صلاة الضحى سنة مؤكدة، واظب سيدنا رسول الله ﷺ على أدئها، وأوصى بها، ورغَّب فيها، ويستحب محافظة المسلم عليها يوميًّا.
- تعدل صلاة الضحى ثلاثمائة وستين صدقة، وهو عدد مفاصل جسم الإنسان؛ يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». [أخرجه مسلم]
- للمسلم أن يؤدي صلاة الضحى ركعتين، أو أربعًا، أو ستًّا، أو ثمانٍ، ويجوز أن يصلها ركعتين ركعتين، ويجعل لكل ركعتين تشهدًا وسلامًا، ويجوز أن يصليها أربعًا أو ثمانٍ بتشهد واحد وسلام.
- يؤدي المسلم واجباته الحياتية والوظيفية وله على ذلك أجر من الله سبحانه، والاجتهاد في النوافل خير ما ينشغل به العبد في وقت فراغه، بما لا يؤثر على عمله أو وظيفته.