عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا»، رواه مسلم.
قال الإمام النووي فى كتابه المنهاج لشرح صحيح مسلم أن المراد من قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» أى أن الحد الأدنى للمؤمن المقبول به أن يكون طاهر من العيوب مقبلاً على علام الغيوب طاهرمن كل عيب، أما قوله «الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ» هو أن تكون حامداً لله شاكراً له قائماً في خدمة عباده فهذا القول إذا عُبر عن حقيقة في قلب الإنسان يملأ الميزان فالمؤمن طاهر هو من يحمد الله دائماً.
وأضاف الإمام النووي - رحمه الله - فى شرحه لهذا الحديث: أنه إذا قال الإنسان «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، أي إذا مجدت الله تعالى وفكرت في ملكوت السماوات والأرض فكرت في صنعته وفي خلقه في رحمته لوجدت أن سبحان الله والحمد لله إذا كان شيء مادي لكان حجمهما يملأ ما بين السماء والأرض.
وأوضح النووي أن المقصود من قول النبى: «الصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ»، أى أن حينما يتصدق الإنسان من مال الذى كسبه من حلال وهو محبب إليه وهو في أمس الحاجة له وحينما يدفعه من ماله ولا تعرف شماله ما أنفقت يمينه فهذا برهان قوي على أنه يحب الله فالذي ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله برهان على أنه يحب الله وما سميت الصدقة إلا لأنها تؤكد صدق صاحبها، و الذي يصلي في الليل لايراه أحد برهان على أنه يحب الله.
ولفت الإمام أن معنى «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» أى أن الصبر المحمود لايزال صاحبه مستضيئاً مستمراً به على الصواب ، فالصبر يكون على قضاء الله وقدره وعن المعاصي وعلى الطاعات، مشيرا إلى أن معنى قول الرسول: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ» أى فإن قرأت الآيات ولم تطبقها أصبح حجة عليك فبين أن يكون القرآن حجة لك حينما تهتدي بهديه وتأتمر بأمره وتنتهي عن نهيه أو أن يكون القرآن حجة عليك عندما يوجد آية قرآنية وأنت خالفتها معانداً فصار هذا القرآن حجة عليك.
وبين أن المراد من قول النبى: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» أى كل إنسان يتحرك بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى فيهلكها بالنار .