في قلب مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ، حيث تلتقي الرياح العتيقة بعبق التاريخ، يجلس عم محمود، شيخ الحرفيين في الكليم اليدوي، خلف منسجه العتيق، يلفح وجهه نسيم النيل العليل، بينما تنهمر أنامله الذهبية على الخيوط الملونة، وكأنه عازف ماهر يعزف على أوتار مزدوجة.
منذ أن كان فتى يافعًا، وهو يحمل مشعل الحرفة التي ورثها عن أجداده.. ثلاثون عامًا مرت كلمح البصر، وهو يضيف خيطًا إلى خيط، حتى أصبح منسجه متحفًا صغيرًا يحكي حكايات الأمس. كل عقدة في النول هي سطر في قصيدة طويلة، وكل لون هو حرف في أبجدية الإبداع.
في كل قطعة ينسجها، يروي عم محمود قصة من قصص هذه الأرض الطيبة. يصور فيها جمال الطبيعة، وبساطة الحياة، وقوة العادات والتقاليد. يحكي عن الحب والحياة والموت، وعن الأمل الذي لا ينضب.
ولكن، مع تقدم الزمن، واجه عم محمود تحديات كبيرة، فمع ظهور الآلات الحديثة، التي تنتج المنسوجات بسرعة فائقة وبأسعار زهيدة، بدأت الحرفة اليدوية تتلاشى شيئًا فشيئًا. الكثير من الحرفيين تركوا مهنتهم، وبات الكليم اليدوي سلعة نادرة.
ورغم كل هذه الصعوبات، لم يستسلم «عم محمود» فشغفه بالحرفة، وحبه للتراث، كان أقوى من كل شيء، ظل متمسكًا بمنسجه، مصرا على مواصلة إحياء هذا الفن الجميل.
يحكي عم محمود خطاب، عن رحلته مع مهنة صناعة الكليم اليدوي، لـ «صدى البلد»، بفضل الله منذ أكثر من 30 عامًا وأعمل في مهنة الكليم اليدوي، وأبلغ من العمر 61 عامًا وورشتي في مدينة فوة، مضيفاً «الحمد لله ربنا بيكرمني والدنيا حلوة وشغال وفي متعاقد بيشتري شغلنا وبيتصدر للخارج لأنه كليم مميز وجودته عالية، وتعلمت من مهنتي الصبر والاجتهاد وأنه لكل مجتهد نصيب».
وتابع، رغم عملي في صناعة الكليم اليدوي إلا أن أولادي يعملون في مهن أخرى مثل دهان السيارات، ونجارة الأثاث، لكن أعشق هذه المهنة منذ صغري وأعمل بها منذ زمن بعيد، مشيرًا إلى أن أصعب الأوقات عندما يطلب منه تصميم صورة «رسمة» معقدة وصعبة لتنفيذها في الكليم وأحياناً يستغرق معه ذلك نحو أسبوعين حتى تتخرج بالشكل والدقة والجودة المطلوبة.