يُعَدُّ التصنيع الزراعي من التقنيات العلمية الرائدة التي تهدف إلى زيادة القيمة الاقتصادية للحاصلات الزراعية، مما يضيف قيمة مضافة للمنتج النهائي على الصعيدين الغذائي والاقتصادي، ومن خلال التصنيع يمكن تحويل المحاصيل الزراعية إلى منتجات ذات قيمة أعلى، مما يحقق فوائد كبيرة للمزارعين بنهاية الموسم.
ويساهم التصنيع الزراعي في زيادة وعي المزارعين حول كيفية استغلال أقصى نسبة من الناتج الكلي للمحصول لتحقيق قيمة مضافة وتحسين النتائج الاقتصادية.
التصنيع الزراعي
ومن جانبه، قال أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة في جامعة المنوفية الدكتور إبراهيم حسينى درويش، إن الحكومة المصرية تولي اهتمامًا كبيرًا للقطاع الزراعي من خلال توسيع الرقعة الزراعية في مناطق متعددة وإقامة مجتمعات زراعية جديدة. ويهدف هذا التوسع إلى زيادة المساحات المزروعة وتعزيز المشاريع الزراعية، مما يسهم في رفع القيمة المضافة للمنتجات الزراعية وتوطين التكنولوجيا الصناعية الحديثة.
وأضاف درويش في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هذه الاستراتيجيات تؤدي إلى زيادة قيمة المنتج، حيث أن السعر يكون أعلى بكثير عند تصدير المنتجات الزراعية بعد معالجتها مقارنة بتصديرها كمواد خام، ويظهر هذا التوجه بوضوح في بيانات الصادرات الزراعية لعام 2023، حيث بلغت القيمة الإجمالية للصادرات 9 مليارات دولار، منها 3.8 مليار دولار للمواد الزراعية الخام، و5.3 مليار دولار للمواد الزراعية المصنعة. وهذا يبرز أهمية التوجه نحو التصنيع الزراعي.
وتابع: “على سبيل المثال، فإن تصدير الطماطم كصلصة أو الموالح كعصائر أفضل بكثير من تصديرها كمواد خام. بالإضافة إلى ذلك، يوفر التصنيع فرص عمل جديدة، ويسهم في تحسين عمليات التخزين لفترات طويلة، مما يعزز من تسويق المنتجات في الوقت المناسب وبأسعار ملائمة. كما يسهم في تسهيل عملية النقل، كما يتضح من مصانع الشيبسي في العوينات، ومصانع السكر للقصب والبنجر، ومصانع الزيوت للزيتون”.
وأشار درويش إلى أن تعزيز التصنيع الزراعي يعتبرأمرًا حيويًا لضمان توفر السلع الغذائية طوال العام في مصر، مما يساعد في الحفاظ على استقرار الأسعار ويحد من تقلباتها، كما يسهم في زيادة عائد الصادرات الزراعية، وهو ما توليه القيادة السياسية أهمية كبيرة وتعمل على دعمه.
ومن جانب آخر، قال المحلل الاقتصادي إسلام الأمين، إن التصنيع الزراعي يعد من الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، حيث يربط بين الزراعة الأولية والسوق الاستهلاكية عبر عمليات التصنيع والتعبئة وإضافة القيمة للحاصلات الزراعية. ويسهم هذا القطاع بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لمصر، حيث يمثل حوالي 12% وفقًا للبيانات الحديثة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وقد شهد هذا القطاع نموًا مستمرًا خلال العقد الماضي بفضل المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تحديث الممارسات الزراعية وتعزيز قدرات التصنيع.
وأوضح الأمين في تصريحات لـ"صدى البلد" أن التصنيع الزراعي له تأثير اقتصادي متعدد الجوانب؛ فهو يساهم في استقرار الاقتصاد الريفي من خلال ضمان الطلب المستمر على المنتجات الزراعية الخام، ويعزز الأنشطة الاقتصادية الحضرية عبر إضافة القيمة للمنتجات والحاصلات الزراعية، مما يعزز القدرة على تصديرها للخارج.
وأضاف أن التصنيع الزراعي يشكل مصدرًا رئيسيًا للتوظيف في مصر، خاصة في المناطق الريفية حيث تكون فرص العمل البديلة نادرة. يوفر هذا القطاع حوالي 30% من وظائف القوى العاملة في مصر، حيث يعمل الكثيرون في مجالات التصنيع والتعبئة والخدمات اللوجستية. وقد خلق هذا القطاع أكثر من 4 ملايين وظيفة، تتنوع بين وظائف قليلة المهارات في مصانع المعالجة إلى أدوار أكثر تخصصًا في مراقبة الجودة وإدارة الخدمات اللوجستية، وفقًا لوزارة الزراعة.
وأشار الأمين إلى أن الأسواق التصديرية الرئيسية للمنتجات الزراعية المصرية تشمل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي. وقد تطورت هذه الأسواق استجابة للتغيرات في الطلب العالمي والجهود الاستراتيجية للمصدرين المصريين لتلبية المعايير الدولية وتوسيع عروض منتجاتهم.
كما لفت إلى أن قطاع التصنيع الزراعي في مصر يضم مجموعة متنوعة من الصناعات التي تعتبر جزءًا أساسيًا من الاستهلاك المحلي وأسواق التصدير. وتُعتبر صناعة معالجة الأغذية الأكبر داخل هذا القطاع، حيث تسهم بأكثر من 60% من إجمالي الإنتاج. ويشمل ذلك إنتاج الأغذية المعلبة، ومنتجات الألبان، والحلويات، والتي تعتبر حيوية للأسواق المحلية وللتصدير. ومؤخرًا، تم إطلاق مشروع ضخم بقيمة 300 مليون دولار في مدينة السادات، بمشاركة شركات مصرية ومستثمرين أجانب، لإنشاء مجمع كبير للصناعات الغذائية الزراعية. يضم المشروع خمسة مصانع، بما في ذلك اثنان يعتبران من الأكبر في مصر لإنتاج مركزات البرتقال والطماطم والفواكه المتنوعة، بالإضافة إلى مصنع لاستخلاص زيوت الموالح، وأحد أكبر مصانع التجفيف بالتبريد للفواكه والخضروات في العالم.
وخلص الأمين إلى أن التصنيع الزراعي يعد عنصرًا حاسمًا في المشهد الاقتصادي المصري، حيث يسهم في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل ويعزز نمو الصادرات. تتجاوز أهميته الجانب الاقتصادي، إذ يلعب دورًا حيويًا في التنمية الريفية والتخفيف من حدة الفقر. ومع استمرار مصر في تحديث قطاعها الزراعي، فإن هناك إمكانيات كبيرة لتحقيق نمو إضافي في مجال التصنيع الزراعي، خاصة من خلال توسيع فرص التصدير وتطوير صناعات جديدة.
ومن جانبه، قال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، علاء فاروق،على أهمية التصدير في دعم الاقتصاد الوطني من خلال جلب العملة الصعبة، والتي تساهم في تنفيذ خطط التنمية الصناعية وتوفير مستلزمات الإنتاج. وأشار إلى جهود الدولة في توسيع الرقعة الزراعية، مما يتيح تحقيق فائض للتصدير، مؤكداً كذلك على أهمية التصنيع الزراعي في زيادة القيمة المضافة، توفير فرص العمل، وتقليل الفاقد والهدر. وأشاد بالنجاحات التي تحققها مصر في تصدير المنتجات الزراعية المصنعة، بجانب المنتجات الطازجة.
وأضاف فاروق خلال لقائه مع المصدرين والمستثمرين الزراعيين، أنه جاء للاستماع إلى اقتراحاتهم حول كيفية النهوض بالقطاع الزراعي وإزالة المعوقات التي تواجههم. وأكد أن مكتبه مفتوح أمام أي أفكار أو مشروعات جادة، مشدداً على أهمية التعاون مع القطاع الخاص وربط البحث العلمي بالمستثمرين لتحقيق رؤية مشتركة تخدم القطاع الزراعي.
وأشار فاروق إلى أن النجاح يتحقق بتكاتف الجميع، مشيداً بدور القطاع الخاص والمستثمرين في زيادة صادرات مصر الزراعية، والتي تجاوزت 7.3 مليون طن من المنتجات الطازجة العام الماضي. وأكد على ضرورة تحقيق هدف القيادة السياسية بالوصول بالصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار من جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع الزراعي.
كما أكد الوزير على دعم البحث العلمي، موضحاً أن جميع الباحثين في وزارة الزراعة هم علماء في مجالاتهم ما داموا يقدمون فائدة للبلاد، مشيرًا إلى أن مهمة الوزارة هي تهيئة المناخ المناسب للباحثين والمستثمرين ودعم الفلاح المصري.
وفي ختام حديثه، أضاف وزير الزراعة أن مصر تمتلك كل مقومات النجاح، خاصة بعد إنشاء المشروعات العملاقة والبنية التحتية، بما في ذلك محطات المعالجة والتحلية، مما يعزز مكانة مصر كأحد أقوى الاقتصادات في الوطن العربي والمنطقة، ويسهم في سد الفجوة الغذائية وزيادة الصادرات الزراعية.