بعد الدعوة الفرعونية التي جاءت لى الأسبوع الماضي وهي أمر بالعودة إلي السرد الفرعوني من جديد فقد اشتقنا لحكاوي أعظم حضارة في العالم، واتضح أن الحديث عن الأساطير الفرعونية مازال مستمرا إلي أن وصل للأساطير الشعبية، فكنا قد بدأنا الحديث عنها منذ فترة وجيزة ولم ننتهِ بعد من الحديث عنها، وذلك بدءاً من أسطورة عروس النيل وأم الشعور إلى أن وصل الأمر لسرد أسطورة أمنا الغولة.
فمن منا لم يعلم أو يسمع بقصة امنا الغولة وغيرها من قصص وحكاوى مصرية فرعونية فهي موروث شعبي عتيق ، قصة فرعونية أصبحت ضمن الاساطير الشعبية في مصر الفرعونية القديمة وانتقلت عبر العصور حتي يومنا هذا وهي شخصية خرافية يعرفها الجميع، خاصةً الأطفال فى الحكايات التى كانت تروى لنا قديماً، فمن منا لم تسمع فى طفولتها من الجدة تلك العبارات التي قيلت لي شخصياً وهى اغسل يدك وقدمك والا امنا الغولة سوف تأخذك وايضا عبارة الشمامة سوف تشمك وأبو رجل مسلوخة والجنية وام الشعور وغيرها واتضح أن تلك العبارات موروث فرعونى قديم منتشر إلي يومنا هذا وبالأخص فى القري والأرياف لترهيب وتهذيب الأطفال.
ويمكننا سرد قصة "أمنا الغولة " وعن سر ارتباطها بأحد آلهة المصريين القدماء وسوف نتعرف من خلال السطور التالية ، على الآلهة "سخمت" .
وماذا تعني «سخمت» في اللغة المصرية القديمة، واتضح أنها تعني الملتهبة أو الساخنة، والقوية ولديها صولجان يسمى السخم أي صولجان القوية، فهي كانت القوية أو الملتهبة أو الساخنة وأيضا الملتهمة وهي أيضاً آلهة الحرب والدمار والفزع .. وفى نفس الوقت هى آلهة الطب، وهى عين الإله رع.
وسميت سمخت بالملتهمة لأنها كان لها دور في أسطورة هلاك البشرية، وهذه كانت إحدى الأساطير الهامة جدا في تاريخ الحضارة المصرية التي تتحدث عن المعبود رع، بما أنها كانت ابنة المعبود رع وعين المعبود رع الذي أرسلها للقضاء على أعدائه بما أنها كانت تأخذ شكل أنثى الأسد وقضت على هؤلاء الأعداء من البشر، ولكن استمرت في القضاء حتى على الأبرياء فيما بعد، لدرجة أن المعبود رع أراد أن تتوقف عن هذا فنفذ حيلة معينة ليمنعها من الاستمرار في القضاء على كل البشر.
وكان شكل المعبودة «سخمت» يتمثل في أنثى كاملة ترتدي رداءً وفوق رأسها قرص الشمس وحية الكبرى، وتمسك بيدها اليمنى صولجان الواص أو عمود البردي، وتمسك بيدها اليسرى علامة العنخ، وهذا هو الشكل الشهير لها، ولها مجموعة من التماثيل الواقفة والجالسة على كرسي العرش، وأغلب التماثيل كانت من حجر الجيرانيت الأسود أو الجرانوديوريت، وأكثر تماثيل جرى صنعها لهذه المعبودة في تاريخ الحضارة المصرية على الإطلاق، كانت في عهد الملك أمنحتب الثالث والد الملك اخناتون عام 1390 قبل الميلاد.
وهي تتحدث عن سيدة بشعة الوجه تخرج من المعابد الأقصر وتقضي على أى كائن حي أمامها) .
وهي تظهر أيضاً بصورة امرأة آدمية ورأس "أنثي الأسد"، وهي من تسبب المرض ومن تعالجه، أما عن سبب ارتباطها باسم "أمنا الغولة"، الحكاية بدأت قديماً منذ عشرات السنين، عندما اكتشف عالم الآثار الفرنسي "چورچ ليجران" في يوم 26 ديسمبر سنه 1903 واحده من أكبر خبايا مصر كلها وهي "خبيئة الكرنك" حيث اخرجوا من تحت الأرض أكثر من 8000 تمثال وكان في ذات الوقت 7 أطفال يلعبون فوق تلة في الكرنك بجوار حائط أثناء الحفر بمعبد الكرنك فسقط الجدار عليهم.
تزامن موت الأطفال مع العثور على تماثيل للإلهة "سخمت"، مما تسبب فى تغذية قصة" أمنا الغولة " ملتهمة الأطفال وقتها وساد الاعتقاد بأنها تخرج فى الليل من معبد الكرنك تلتهم الأطفال، ووجه الآلهة "سخمت " الذى يمثل رأس أنثى الأسد المخيف ساعد على انتشار هذه القصص فامتنع عمال الحفر عن العمل فى المعبد خوفا من "سخمت".
فقام الباحث الآثري جورج ليجران الفرنسي بإزالة هذا الاعتقاد من داخل قلوب العمال والأهالى، حيث ادعى انه ألقى تعويذة بالهيروغليفية حتى ينهى أسطورة "سخمت " وهنا صدقه أغلب عمال الحفريات وقتها واذاعوا فى البلاد بأنه تم إنهاء أسطورة "أمنا الغولة ".
ولكن انتشرت الشائعة ودارت في جميع أنحاء مصر في ذلك الوقت ، وهي أن سخمت اصبح لها كرامات وارتبطت بالإنجاب، و بما انها قادرة علي ابتلاع الأطفال فيمكنها أيضا أن تنجبهم ، فتأتي النساء لتدور حول أمثالها لفك العقم والإتيان بالولد.