تشهد فرنسا توترات سياسية متصاعدة، حيث هدد حزب "فرنسا العنيدة" اليساري المتطرف باتخاذ إجراءات قانونية ضد الرئيس إيمانويل ماكرون. ويأتي التهديد بعد أن طرد ماكرون مرشحة حزب فرنسا العنيدة لرئاسة الوزراء، لوسي كاستيتس، مما أثار اتهامات بـ "انقلاب مؤسسي على الديمقراطية" من الائتلاف اليساري.
أدت هذه الخطوة إلى تفاقم المشهد السياسي المشحون بالفعل في فرنسا، وكشف عن انقسامات عميقة داخل الطبقة السياسية في البلاد.
يمثل تهديد فرنسا العنيدة بتفعيل المادة 68 من الدستور الفرنسي، والتي تسمح للبرلمان بعزل الرئيس بتهمة "عدم القيام بواجباته"، تحديا غير مسبوق لسلطة ماكرون. ونادرا ما تم استخدام هذا الحكم الدستوري، مما يجعل الوضع أكثر خطورة.
لم يحقق الائتلاف اليساري، الذي يضم حزب الخضر والاشتراكيين وحزب الجبهة الليبرالية، الأغلبية المطلقة المطلوبة في الانتخابات التشريعية، مما أدى إلى ترك البلاد بدون رئيس وزراء لمدة ستة أسابيع. وأدى رفض ماكرون تعيين كاستيه، بحجة عدم قدرتها على تعزيز الإجماع في البرلمان، إلى اتهامات بتقويض العملية الديمقراطية.
يزداد الوضع تعقيداً بسبب الانقسامات داخل الائتلاف اليساري. بينما اتخذ فرنسا العنيدة موقفًا متشددًا، مهددًا بالإقالة، نأى الزعيم الاشتراكي أوليفييه فور بحزبه عن هذه التهديدات، واصفًا الإقالة بأنها "غير عملية" بسبب الدعم البرلماني الكبير المطلوب. وهذا الانقسام داخل الائتلاف يضعف موقف المعارضة ويلقي بظلال من الشك على جدوى تهديداتها القانونية ضد ماكرون. وتسلط تعليقات فور الضوء على الخلافات العميقة داخل التحالف اليساري، مع ظهور استراتيجيات مختلفة في التعامل مع إدارة ماكرون.
كان رد ماكرون على الأزمة يتسم بالحذر، وقد دعا إلى هدنة سياسية خلال دورة الألعاب الأولمبية في باريس وعقد اجتماعات مع القادة السياسيين والبرلمانيين، بما في ذلك كاستيه، في 23 أغسطس. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذا الاجتماع مجرد إجراء شكلي، مع توقع ضئيل بتعيين كاستيت رئيسًا للوزراء. يُنظر إلى المناقشات حول ترشحها إلى حد كبير على أنها وسيلة لمواصلة الضغط على ماكرون وليس محاولة حقيقية للقيادة.
إن الدراما السياسية الجارية لها آثار كبيرة على مستقبل فرنسا. إن احتمالات اختيار ماكرون لرئيس وزراء من ائتلاف بين حزبه واليمين مرتفعة، مع طرح شخصيات مثل كزافييه برتراند وبرنارد كازينوف كمرشحين محتملين. ومن الممكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى استقرار إدارة ماكرون، لكنها من المرجح أن تؤدي إلى تنفير الفصائل اليسارية بشكل أكبر، مما يؤدي إلى استمرار الصراع السياسي.
ويسلط خطاب ماكرون الأخير، الذي يستحضر روح الوحدة من ماضي فرنسا، الضوء على محاولته تقديم نفسه كزعيم قادر على التغلب على الانقسام. ومع ذلك، فإن دعواته للوحدة قد لا تجد آذاناً صاغية مع استمرار الائتلاف اليساري في الضغط من أجل المزيد من النفوذ. إن حالة عدم اليقين السياسي المحيطة بتعيين رئيس الوزراء هي من أعراض القضايا الأوسع في السياسة الفرنسية، حيث أدت الانقسامات الأيديولوجية العميقة والمناورات السياسية إلى أزمة الحكم.
يشير محللون سياسيون إلى أن تعامل ماكرون مع الوضع سيكون حاسما في تحديد استقرار إدارته. إن إقالة كاستيت، رغم أنها محسوبة سياسيا، تخاطر بتنفير جزء كبير من الناخبين الذين دعموا التحالف اليساري في الانتخابات التشريعية. إن التهديد بالعزل، رغم أنه من غير المرجح أن ينجح، يزيد من الضغوط المفروضة على ماكرون لحمله على الإبحار في هذه الأزمة بحذر.
ويمثل الانقسام داخل الائتلاف اليساري أيضًا تحديًا إستراتيجيًا لحزب الجبهة الليبرالية، حيث أن نهجهم المتشدد قد يعزلهم عن أحزاب المعارضة الأخرى. ويرى الخبراء أن اليسار يجب أن يشكل جبهة موحدة إذا كانوا يأملون في تحدي ماكرون بشكل فعال، لكن الانقسامات الحالية تشير إلى أن هذا أبعد ما يكون عن اليقين.