بصفتي فارسًا منذ طفولتي، أردت أن أتحدث عن رياضتي وهوايتي المفضلة، الفروسية، التي عُرفت عبر التاريخ، وخاصة في عصرنا الحديث، بأنها رياضة النبلاء والملوك لغلاء ملابسها وأناقة مظهر الفارس والحصان. لم يكن الحصان مستأنسًا منذ أن خُلق؛ إذ كان يعيش في البرية، ثم استأنسه الإنسان وحوله من كائن بري إلى كائن أليف ليخدم احتياجاته كوسيلة للنقل والحرب والزراعة. ومع تطور العلاقة بين الإنسان والحصان، أُهجن العديد من سلالات الخيول. بحسب التراث الإسلامي، فإن أول من ركب الحصان واستأنس الخيل هو نبي الله إسماعيل عليه السلام، ولكن لا يوجد حديث صحيح عن النبي ﷺ يؤكد ذلك.
الحصان كائن حساس ويعيش في البرية كفريسة، لذلك خلقه الله بقوائم خفيفة مقارنة مع جسمه العلوي ليتمكن من الفرار والركض ويكون خفيف الحركة. في القرون الأولى، لم تكن هناك أدوات تسهل على الإنسان ركوب الخيل، مثل السروج؛ وبعد اختراع السروج لم تكن لها ركابات، وتم ابتكار الركابات مؤخرًا. ومع تقدم الزمن، ظهرت وسائل عديدة لتسهيل الركوب وضمان سلامة وأمان الفارس والسيطرة على الحصان.
الحصان يحب أن يكون مركوبًا من فارسه، لأنه يشعر بقيمته ويكتشف إمكانياته ومهاراته عند الركوب بشكل أسرع من باقي الخيول التي لا يتم ركوبها. بركوب الخيل، يحدث تناغم بين الفارس والحصان، ويكتشف الحصان مهاراته مع الفارس، مما يزيد من ثقته بنفسه. على الجانب الآخر، الحصان المحبوس في مكان إيوائه، عندما يُترك لفترة طويلة دون ركوب، يتحرك داخل الإيواء بحركات فجائية ويعبر عن غضبه ليوصل رسالة لمالكه أنه يريد أن يكون مركوبًا، ويشعر بأهميته، ويظهر بلغة جسدية رغبته في تفريغ طاقته الكامنة.
حصان الفروسية يختلف في هيئته عن غيره من الخيول التي تقوم بمهام أخرى، فهو يتميز بشكل عضلاته وهيكله وبنيته الرياضية التي تنضج بالممارسة والركوب، تمامًا كالإنسان الرياضي في تميزه الجسدي ونشاطه البدني وحيويته التي تميزه عن غيره من البشر الذين لا يمارسون الرياضة. الخيول الرياضية أو خيل الفروسية تكون أفضل بدنيًا ونفسيًا من باقي الخيول، ويظهر تغير واضح في سلوك الحصان الرياضي بعد ركوبه من هدوء واتزان في شخصيته، وتجد طمأنينة نفسية في التعامل معه، خاصة بعد انتهاء تدريبه وركوبه، لأنه يكون قد أفرغ طاقته. هناك مقولة شهيرة للصحابي الجليل عبد الله بن أبي أوفى، الذي كان من الصحابة الذين اشتهروا بحب الخيل وركوبها: "عِزُّ الخيل في ركوبها".
الفروسية مفيدة للفارس كما للحصان؛ حيث إنها بمثابة بعث جديد للفارس المحب للخيل، خاصة في صحته النفسية، إذ تخفف من ضغوطه السلبية التي ينساها بمجرد تحريكه للحصان.
أثبتت الدراسات النفسية أن الفروسية تساعد مرضى الشلل الدماغي والتوحد، وتساعد على ثبات حركة من يعانون من فرط الحركة. كما أنها تساعد في محاربة الانطواء لأن الحصان يكون صديقًا للفارس، وتخفف من الخجل والقلق، وتساعد مرضى القلب المنكسر.
أيضًا، تعلم الفروسية، الفارس، القيادة، وتمنحه شعور التحرر من القيود، وتساعده على تعلم مهارة اتخاذ القرارات السريعة لحماية نفسه، خاصة عندما يتحرك الحصان حركات مفاجئة تتطلب قرارًا سريعًا ولحظيًا.
\وفيما يتعلق بالجانب الجسدي، تعتبر الفروسية من الرياضات التي تحرك وتبني عضلات داخلية لا تتحرك ولا تُبنى في كثير من الرياضات الأخرى، مثل عضلات الرقبة والحوض والأجزاء الداخلية للقدم والظهر، وربما الكتف أيضًا، خاصة مع الخيل صاحبة الرقبة الطويلة.
رياضة الفروسية لها أنواع عديدة، منها: (أدب الخيل)، وهو الرقص بالحصان، ويفضل أن يكون حصانًا عربيًا لدمه الحامي وذكائه وسهولة تعليمه لمهارات الرقص. (سباق الخيل)، الذي يتطلب حصانًا عالي القوائم والطول كالحصان الإنجليزي من سلالة Thoroughbred، أو الحصان العربي الذي لا يعتبر أسرع من الإنجليزي، ولكن جهده يستمر أكثر في السباق لاتساع فتحات أنفه وزيادة نسبة الهواء عند التنفس.
وهناك شهادات نسب لعائلات خيول عربية محترفة سباقات في مصر مثل عائلة نصر الله. (التقاط الأوتاد)، التي تتطلب حصانًا قصير القامة لسهولة لمس الأرض لقرب المسافة بين الفارس والهدف الملتقط بالمزراق أو السيف (رياضة البولو)، التي تطلب ملعبًا أخضر ومساحة كبيرة للجري وراء الكرة بالخيول. (Dressage أو فن الترويض)، وهو تدريب الحصان على خطوات معينة في أوقات محددة وفي أماكن معينة في مسابقات (قفز الحواجز)، التي تبرع فيها الخيول الأجنبية، وكذلك تستطيع الخيول البلدية ممارستها لكن بارتفاعات أقل للحواجز، وربما استثناءات من الخيل العربي حسب مهارات الحصان وارتفاعه. ولا شك أن قفز الحواجز يتطلب الشجاعة والقوة البدنية وتناغمًا بين الفارس والحصان في حالة الإقلاع والطيران والهبوط.
شكرًا للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أبدى اهتمامًا ملحوظًا بالخيل، وسعى في تطوير رياضة الفروسية في مصر. حيث شجع على تنظيم مسابقات وفعاليات فروسية، وكان له دور في تحسين البنية التحتية للخيول وتعزيز الاهتمام بالأنشطة المتعلقة بها.
وتم إنشاء صرح حافل وشامل لكل بطولات الخيل بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث تعمل الدولة المصرية على إنشاء مرافق متكاملة تهدف إلى تعزيز رياضة الفروسية وتقديم تجربة متميزة للممارسين.
ويشمل هذا تطوير ميادين وقرى للفروسية، حيث يتم تجهيزها بأحدث التقنيات والمرافق التي تدعم التدريب والبطولات. تحيا مصر.