بعيدا عن كل الصراعات التى يعيشها العالم من أقصاه إلى أقصاه، وبالتزامن مع محاولات الكثير منا بطمأنة نفسه بأن الغد أفضل وأن الحياة لاتزال تحمل الكثير من الأمل والحب.. بعيدا عن كل ذلك لابد أن نتحدث عن مفهوم الحب المطلق ذلك المعنى الذى يجعلك تتغاضى عن أخطاء من تحب، ويجعلك أيضا تنظر بعين الرضا وتبرر مساوئ من ليس لهم فى حياتك بديلا مهما كان سلوكهم السلبى تجاهك.. إذا قُدر لك السفر خارج الوطن ستجد نفسك مجبرا عند العودة ان تغض البصر عن أشياء كثيرة كانت تزعجك فى محل اقامتك وكنت تراها من لأنواع التخلف والعودة إلى الهمجية !!.
فهناك فى بلاد العم سام وعائلته وأحفاده وأتباعه ستتبهر بالطبع بحجم التقدم وسيطرة التكنولوجيا على كافة مناحى الحياة ؛ ولكنك فى الوقت نفسه ستجد نفسك وحيدا رغم مايحيط بك من مباهج الحياة ورونقها وتقدمها، فبلاد العم سام منزوع منها ما يسمى بالأخوة والترابط والتراحم هناك مفهوم "كل فى شأن يغنيه"، إذا وقعت فى الشارع، أو فى الباص، أو محطة الترام لن تمتد إليك يدا لتسندك وتظل معك حتى تطمئن عليك، لن يعطيك أحدهم شربة ماء يبل بها عطشك ويزيل بها خوفك من تصاعد آثار وقعتك وسقوطك، لن تجد يدا ممدودة بمنديل تمسح به عرقك وتزيل به ماعلق بك من أثر السقوط؛ ستظل ملقى مكان سقوطك إلى أن يأتى اليك أحد أفراد الشرطة وبعد استجوابات وتحقيقات قد يحضرون إليك الإسعاف، وقد يسجلون عليك خطأ تدفع عليه غرامة كإشغال طريق، أو تعطيل حركة السير أو ازعاج سلطات العمل عن تأدية مهامها السامية بمهمة غير معنية كمهمة مساعدتك عندما سقطت لأى سبب من الأسباب.
فى بلاد العم سام وأهله ستجد نفسك محاصرا بقوانين جامدة وملزمة لدرجة القهر والسجن داخل بيتك ، فهناك توجد دوما مواعيد لتشغيل ادواتك الكهربائية وخاصة الغسالة والخلاط حتى لاتوقظ جيرانك وتزعجهم ، ولذا فعليك ان تستأذن جارك إذا كنت تريد تجاوز المواعيد المتفق عليها.
هناك أيضا فى بلاد الحرية والنور والنار معا هناك مواعيد لكل شىء وأى شىء طوال ايام العمل انت ملزم بعدم إحداث أية ضوضاء ؛ حتى الضحك بصوت عال يعد نموذجا همجيا يجب معاقبة فاعلة، هناك أيضا علاقة الأب أو الأم بأولادها علاقة مشروطة بحزمة من القوانين المجحفة فكونك أما أو أبا لا يعطيك حق تأديب أولادك على طريقتنا الشرقية بل انه اذا أبلغ الابن عن والديه بأنهما قد مدا ايديهما عليه فى هذه الحالة تقوم السلطات المعنية باحتجاز الوالد أو الوالدة لحين الانتهاء من التحقيقات التى قد تثبت أو تنفى التهمة عنهما، بل انه قد تعطى السلطات لمن يقوم بالتحقيق اذا ثبت على المبلغ فى حقه أن يؤول إلى أسرة أخرى أو دار رعاية لحمايته من بطش ابويه على حد ماتراه السلطات المدعومة بشكوى مقدمة من الابن أو الابنة أو أحد الجيران لتهدم بهذه الإجراءات كل مايقوم به الاباء فى مجتمعاتنا الشرقية من طرق ووسائل لمعاقبة ابناءهم يراها الغرب بأنها غير إنسانية ورجعية.. هناك أيضا مفاهيم التحرر والاستقلالية بأقصى درجاتها ومن لم يلتزم يصنف بالرجعى وغير الديمقراطى.
منظومة الحياة فى أوروبا التى صدعتنا بها وسائل اعلامهم لاتحمل بين جنباتها ماتربينا عليه هنا من تراحم وتآلف وسؤال الجار عن جاره لتصل لحد التدخل فى ادق شؤون حياته ومحاولة ان يفعل الكثير من اجل هذا الجار اذا وقع فى مشكلة أو أزمة . فى كل يوم هناك ستجد نفسك مشدودا بين الايجابيات والسلبيات، وستتخبط للخروج من دائرة ماتراه سلبيا ستجده فى نظرهم ايجابيا والعكس صحيح ، فى كل يوم ستصدم بحجم التقدم والترقى الحضارى بقدر صدمتك بحجم التخلخل القيمى والانهيار الاخلاقى.
فى كل يوم تشرق فيه شمسك الغربية سيأتى الى باب بيتك من يجعلك تصفق لمًا تراه وتصرخ أيضا على ماتعيشه وتتعايش معه ، فى كل يوم ستعيش هناك بلا مشاعر لانهم لن يسمحوا لك بان تظهر مشاعرك الشرقية لأنها معيبة ولاتتماشى مع حجم مابنوه من زعم بالتحضر والرقى والازدهار كما يروق لهم تسميته .
فى كل شمس تشرق وكل قمر يسطع ستجد نفسك مرغما على ان تتعايش مع مجتمعات تتكاتف من جل انقاذ طائر حزين رمت به الأقدار إلى أن يقف على أسلاك كهربائية قد يكون احدها مكشوف وسيعرضه للخطر، هذا المجتمع هو نفسه الذى غضت حكومتها بصرها عما ترتكبه سلطات الاحتلال الاسرائيلية من محاور وابادة تجاه أهل غزة ، فى كل يوم ستجد ماتقرأ عنه وتعيشه فى عالم متقدم من حجم الاغتصاب والخطف والقتل ما يجعلك تظن ظنا انك تعيش فى غابة وعصور ماقبل التاريخ وأيضا هى نفس البلاد التى تحارب كافة مفاهيم الدفاع عن الشرف والعرض والأخلاق فى المحتمعات الشرقية.. فى كل يوم هناك وهنا سيقول من هناك إلى من هنا ليتنا ماتركنا بلادنا وسيرد عليهم من هنا ليتنا أوتينا مثلما أوتى قارون !!!!!!!