هل أعيد الصلاة إذا اكتشفت إن شعري طالع؟ سؤال نجيب عنه وفق ما أوردته دار الإفتاء المصرية، خلال فتواها حول حكم كشف المرأة شعرها في الصلاة، وآراء المذاهب الفقهية في المسألة.
هل أعيد الصلاة إذا اكتشفت إن شعري طالع؟
قالت دار الإفتاء في بيان حكم صلاة المرأة كاشفة شعرها؛ إنه ممَّا هو من العورة ويجب سَتْره في الصلاة وكذا في خارجها عن الأجنبي باتفاق الفقهاء: شَعْر المرأة الذي فوق رأسها، وكذا شَعْر المرأة النازل عن الأذن على ما ذهب إليه المالكية، والشافعية، والحنابلة، والحنفية في الصحيح، وهذا ما يستفاد من عبارات الفقهاء في حديثهم عن عورة الحرة في الصلاة وغيرها.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 405): [(وللحرة) ولو خنثى (جميع بدنها) حتى شعرها النازل في الأصح] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (حتى شعرها) بالرفع عطفًا على جميع ح. قوله: (النازل) أي: عن الرأس، بأن جاوز الأذن، وقُيِّد به إذ لا خلاف فيما على الرأس. قوله: (في الأصح) صححه في "الهداية" و"المحيط" و"الكافي" وغيرها، وصحح في "الخانية" خلافه مع تصحيحه لحرمة النظر إليه، وهو رواية "المنتقى" واختاره الصدر الشهيد، والأول أصح وأحوط، كما في "الحلية" عن "شرح الجامع" لفخر الإسلام، وعليه الفتوى، كما في "المعراج"] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 289، ط. دار المعارف، ومعه "حاشية الصاوي"): [(و) عورة الحرة (مع رجل أجنبي): منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن (غير الوجه والكفين): وأما هما فليسا بعورة. وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة، (ويجب سترها): أي العورة المذكورة لرجل أو أمة أو حرة مع أجنبي (بالصلاة أيضًا)] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 168، ط. دار الفكر): [وأما عورة الحرة فجميع بدنها إلا الوجه والكفين إلى الكوعين، وحكى الخراسانيون قولًا وبعضهم يحكيه وجهًا: أن باطن قدميها ليس بعورة، وقال المزني القدمان ليسا بعورة، والمذهب الأول] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 452، ط. دار إحياء التراث): [قوله: (والحرة كلها عورة، حتى ظفرها وشعرها، إلا الوجه) الصحيح من المذهب أن الوجه ليس بعورة. وعليه الأصحاب. وحكاه القاضي إجماعًا] اهـ.
وشددت: مِن ثَمَّ فيجب على المرأة تغطية شعرها في الصلاة ولو كانت في خلوة، لإطلاق النصوص بالستر مطلقًا، ولأنَّ الله تعالى أحق أن يُستحيا منه، ومع اتفاقهم على -وجوب ستر شعر المرأة في الصلاة- إلَّا أنه إذا صلت المرأة كاشفة شعرها مع القدرة على تغطيته، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أَنَّ عليها إعادة الصلاة؛ لكون صلاتها غير صحيحة.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 408-409): [(ويمنع) حتى انعقادها (كشف ربع عضو) قدر أداء ركن بلا صنعة (من) عورة غليظة أو خفيفة على المعتمد] اهـ.
قال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا: [قوله: (ويمنع إلخ) هذا تفصيل ما أجمله بقوله: وستر عورته. ح. قوله: (حتى انعقادها)، منصوب عطفًا على محذوف، أي: ويمنع صحة الصلاة حتى انعقادها.
والحاصل: أنَّه يمنع الصلاة في الابتداء، ويرفعها في البقاء. ح. قوله: (قدر أداء ركن) أي: بسنته. "منية". قال شارحها: وذلك قدر ثلاث تسبيحات اهـ.. واحترز عما إذا انكشف ربع عضو أقل من قدر أداء ركن، فلا يفسد اتفاقًا؛ لأنَّ الانكشاف الكثير في الزمان القليل عفو، كالانكشاف القليل في الزمن الكثير، وعما إذا أَدَّى مع الانكشاف ركنًا فإنها تفسد اتفاقًا. قال ح: واعلم أنَّ هذا التفصيل في الانكشاف الحادث في أثناء الصلاة، أَمَّا المقارن لابتدائها، فإنه يمنع انعقادها مطلقًا اتفاقًا بعد أن يكون المكشوف ربع العضو، وكلام الشارح يوهم أنَّ قوله: (قدر أداء ركن) قيد في منع الانعقاد أيضًا] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 166): [فستر العورة شرط لصحة الصلاة، فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته، سواء أكثر المنكشف أم قَلَّ، وكان أدنى جزء، وسواء في هذا الرجل والمرأة، وسواء المصلي في حضرة الناس، والمصلي في الخلوة، وسواء صلاة النفل والفرض والجنازة والطواف وسجود التلاوة والشكر، ولو صَلَّى في سترة، ثم بعد الفراغ عَلِم أنَّه كان فيها خَرْقٌ تبين منه العورة؛ وجبت إعادة الصلاة على المذهب، سواء كان علمه ثم نسيه، أم لم يكن علمه] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 269): [(وكذا) لا تبطل الصلاة إن انكشف من العورة شيء (كثير في زمن قصير، فلو أطارت الريح سترته ونحوه) أي: نحو الريح (عن عورته، فبدا) أي: ظهر (منها ما لم يعف عنه لو) طال زمنه لفحشه، (ولو) كان الذي بدا (كلها) أي: كل العورة (فأعادها سريعًا بلا عمل كثير لم تبطل) صلاته، لقصر مدته أشبه اليسير في الزمن الطويل، فإن احتاج في أخذ سترته لعمل كثير بطلت صلاته. (وإن كشف يسيرًا منها) أي: العورة (قصدًا بطلت) صلاته؛ لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة أشبه سائر العورة، وكذا لو فحش وطال الزمن، ولو بلا قصد] اهـ.
رأي المالكية في صلاة المرأة كاشفة الشعر
بينما ذهب السادة المالكية إلى أنَّ المرأة إذا صلت وهي كاشفة الشعر فإنَّ عليها إعادة الصلاة ما دام وقتها لم يخرج، فإن خرج وقت الصلاة، فلا إعادة عليها؛ لكون شعر المرأة مِن العورة المخففة.
جاء في "المدونة" (1/ 186، ط. دار الكتب العلمية): [وقال مالك: في امرأة صلت وقد انكشفت قدماها أو شعرها أو صدور قدميها: إنها تعيد ما دامت في الوقت] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (1/ 252، ط. مطبعة السعادة): [فإن صلت بادية الشعر.. استحب لها أن تعيد في الوقت وقد أثمت لمخالفتها السُّنَّة إن قصدتْ ذلك، وهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون هذا على قول مَن رأى إعادة الصلاة من كشف العورة في الوقت، وقد سلَّم ابن القصار أن تعاد الصلاة من ذلك في الوقت مع كونه عنده فرضًا، والثاني: ذلك أخف من كشف العورة] اهـ.
وقال الإمام القرافي في "الذخيرة" (2/ 105، ط. دار الغرب الإسلامي): [القسم الثالث: الحرائر في "الجواهر" أجسادهن كلها عورة إلا الوجه والكفين، قال في "الكتاب": إذا صلت بادية الشعر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت.. وقال ابن نافع في "العتبية": لا إعادة عليها] اهـ.
وعلَّق عليه العلامة ابن عرفة في "المختصر" (1/ 221، ط. مؤسسة خلف الخبتور): [وقول القرافي عن ابن نافع في "العتبية": إن صلتْ بادية الشعر أو ظهور القدمين لا إعادة عليها في وقت ليس فيها؛ إنما في سماعه: لا تخمر رأسها وتكشف نحرها] اهـ.