علاء الشوالي حفيد سعد زغلول فى حواره لـ"صدى البلد":

الزعيم يمثل القدوة فى العمل السياسي لصالح الوطن والصلابة فى الحق

ثورة 19 وكفاحها صاغت عقدًا اجتماعيًا وضع أسس المواطنة

اتهام طه حسين لسعد زغلول بمحاربة الرأى يأتي فى إطار المنافسة السياسية

مصطفى النحاس ومكرم عبيد تطوعا ليكونا “سنيدة” للغناء خلف محمد عبد الوهاب

لو كان سعد زغلول موجود الآن لاستخدم عصاه ضد سيطرة رأس المال السياسى داخل الوفد

بناء المستقبل و الاستقلال العقلى والحريات واحترام الدستور إرث سعد زغلول للمصريين

تحل اليوم الجمعة 23 أغسطس ذكرى وفاة الزعيم الراحل سعد زغلول ، والذى وافته المنية عام 1927 ، والتقى “صدى البلد” علاء الشوالي حفيد الزعيم الراحل سعد زغلول لإجراء حوار معه بمناسبة ذكرى وفاة الزعيم الراحل سعد زغلول..والذي أكد أن الراحل يمثل القدوة فى العمل السياسي لصالح الوطن، الصلابة فى الحق، تواضعه مع اعتزازه بنفسه دون تكبر إلا على المحتل ومواليه، ثقته الكبيرة فى الشعب ووعيه وأنه لو كان موجودا الآن لاستخدم عصاه ضد سيطرة رأس المال السياسى داخل الوفد وإلى نص الحوار……………….

• فى البداية.. فى ذكرى وفاة الزعيم الراحل سعد زغلول.. ماذا يمثل لك باعتبارك حفيده؟
يمثل القدوة فى العمل السياسي لصالح الوطن، الصلابة فى الحق، تواضعه مع اعتزازه بنفسه دون تكبر إلا على المحتل ومواليه، ثقته الكبيرة فى الشعب ووعيه، عبقريته في إدخال الموظفين الحكوميين بطابعهم المحافظ فى‮ ‬قلب الحركة الوطنية واستقطاب البسطاء ـ ملح الوطن ـ واعترافه بدورهم الكبير، استيعابه لحجم مصر وتأثيرها فى العالم، احترامه للقضاء، إيمانه بالحريات فى حدود الشرع والقانون، خاصة حرية الصحافة التي قال عنها (أمة بلا صحافة حرة أشبه بإنسان أبكم) وغير ذلك الكثير.

• ما أبرز ما تعلمت من سعد زغلول فى المجال السياسي؟
دعنى أقول أنه بعض ما أحاول أن اتعلمه، أهمه التطلع والعمل لبناء مصر المستقبل، قناعتى الكاملة بمفهومه عن الاستقلال وكيف أن احتلال العقل أشد خطورة من احتلال الدبابة، عزيمته وصلابته فى الحق، صبره على الكفاح رغم تقدم سنه ومرضه، قناعته أنه لا تفاوض حول المبدأ، لكن ربما يمكن التفاوض حول اليات تفعيل المبدأ، أو هكذا رأيت سعد وأحاول الاقتداء به، عمومًا حياة سعد كلها قصة نضال واحدة متصلة الحلقات.

• كيف ترى دور الزعيم الراحل سعد زغلول فى ثورة 1919؟
شرارة الثورة اندلعت فى الأساس بسبب نفى سعد ورفاقه، لكن دعنا نعود إلى يوم 2 مارس 1919 تحديدًا، عندما قبل السلطان فؤاد استقالة رئيس الحكومة حسين رشدى، ووزير المعارف عدلى يكن بسبب رفض الإنجليز السماح لممثلى هيئة الوفد بالسفر إلى مؤتمر الصلح، فتوجه سعد يوم 3 مارس مع بعض رفاقه لمقابلة السلطان فلم يسمح لهم بالدخول، فترك سعد خطابًا شديد اللهجة، يصنف فى الأدبيات السياسية المصرية كأشد خطاب جرى توجيهه لحاكم، معلنًا رفض هيئة الوفد قبول السلطان للاستقالة، ثم أرسل لممثلى الدول الأجنبية في 4 مارس خطابًا يحتج فيه على منع الإنجليز سفر الوفد.

عندها أيقن المحتل أن سعد بات يمثل خطرًا جسيمًا عليه، فكتب "ملن تشيتام" ـ المندوب السامى البريطانى فى مصر وقتها ـ برقية عاجلة لحكومته بتاريخ 6 مارس جاء فيها: (.. من المؤسف أن اضطر إلى طلب إقصاء مشاغب سياسى في الوقت الحاضر، ولكن بالنظر إلى طبيعة دعاية سعد المتماثلة فإنه أشد خطرًا من أولئك المحتجزين فى مالطة منذ بداية الحرب، ولذا أطلب إلقاء القبض عليه وابعاده فورًا).

وفى اليوم التالى، 7 مارس 1919، ردت الحكومة البريطانية على برقية "تشيتام" بموافقة جاء فيها: (... قد خولناك السلطة للاتفاق مع القائد العام على إلقاء القبض على سعد وإبعاده فورًا إلى مالطا، بدون تحذير آخر..)، ثم تصاعدت الأحداث واعتقلوا سعد ورفاقه مساء 8 مارس فاندلعت الثورة فجر 9 مارس، بمعنى أن نفى سعد كان السبب الظاهر لتفجير غضب المصريين المتراكم تجاه الاحتلال الذى أرغمهم على دفع جزء كبير من فاتورة دخوله الحرب العالمية الأولى، وتجنيده آلاف المصريين للمشاركة خلف صفوف القتال تحت مسمى "فرق العمل المصرية"، إلى جانب فرضه الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، وتعطيل الجمعية التشريعية، وتجريم المظاهرات وغير ذلك الكثير الذى تجسد الخلاص منه فى شخص سعد، فباتت زعامته صنيعة الأمة المصرية بكل أطيافها الاجتماعية والدينية، مسلمين ومسيحيين ويهود ايضًا بالمناسبة، فكانت اجابتهم على أسئلة لجنة "ملنر ـ سبتمبر 2019"، من الأمير عمر طوسون والبيت العلوى الى ابسط فلاح، بكلمتين: "اسألوا سعد".

• ما التأثير الذى أثره سعد زغلول فى الحياة السياسية المصرية؟
قيادة سعد لثورة 1919 وكفاحها صاغت عقدًا اجتماعيًا وضع أسس المواطنة وصنع نهضة حضارية وفكرية شاملة فى كافة المجالات، لا زلنا ـ بعد أكثر من 100 عام ـ نستقى وننهل من نتاجها الفكرى وسنظل، بداية من الدستور إلى فكرة الاستقلال وإمتلاك الأمة إرادتها واستقلالها عن التبعية وهيمنة الأجنبى، أو الاستقلال العقلى كما قلت، لذلك تجده يقول (لا استعباد.. لا استعمار.. لا حماية.. لا رقابة.. لا تدخل لأحد فى شأن من شؤوننا.. هذا ما نريد وهذا ما لا بد أن نحصل عليه، إن قوتنا ليست مستمدة من الخارج بل هى فى نفوسنا، فلتكن نفوسنا قوية نصل إلى غايتنا)، والأهم ترسيخه أسس الحريات وقواعدها، من حرية الصحافة إلى حرية الرأي والتعبير، وغير ذلك الكثير مما أصفه، عن نفسى، بـ "مذهب الوفدية"، أو "الليبرالية على الطريقة المصرية" تلك التي تؤسس لنهضة شاملة تحترم الأعراف والتقاليد وتقدس الدين وتتبع تعاليمه فلا تقحمه فى السياسة إعلاءً له وتنزيها.

• حدثنا عن علاقة سعد زغلول بمكرم عبيد ومصطفى النحاس كلا على حده؟
مكرم عبيد انضم لهيئة الوفد فى بداياتها تأثرًا بسعد زغلول وكان أحد رفاقه فى المنفى، وأصبح الناطق بلسانه إلى حد أنه عرف بـ "ابن سعد" لما قال (نحن أشقاء، أمنا مصر وأبانا سعد زغلول)، ويقول فى إحدى خطاباته الثورية: (ليس في الأمة من يمكنه أن يقول أنا الأمة إلا سعد)، وفى إحتفالية بذكرى سعد يقول: (إن لم يتخذ أى منا من ذكراه عبرة فيجاهد فى سبيل وطنه كان هو الحىّ الميت وحق لى أن أقول: أيها الميت الحىّ أنت سعد، أيها الحىّ الميت أنت عبد).

وبالمناسبة، كان مكرم عبيد سببًا فى خلاف أم المصريين ـ صفية زغلول ـ مع النحاس باشا حين اجتمع مع رجال الوفد فى بيت الأمة لإصدار قرار بفصل مكرم عبيد بعد أن أوغر بعضهم صدر النحاس عليه ، فنادت أم المصريين النحاس على انفراد وأخبرته أن بيت سعد لن يشهد فصل "ابن سعد"، فانصرف الحضور وكانت نهاية اجتماعات الحزب فى بيت الأمة.

أما مصطفى النحاس، فكان له عند سعد مكانة خاصة، وهو من أطلق عليه "النحاس سيد الناس"، ونُجمِل علاقته بسعد بما قاله عنه سعد: (رجل ذو قلب طيب‏،‏ ومبدأ ثابت‏، يميل إلي الثرثرة ولكنه خفيف‏،‏ به خفة ورعونة‏،‏ يميل إلى الخيال‏، سريع الانفعال ولكنه لا يتغير بتغير الأحوال‏، وطني مخلص‏،‏ وهو فقير مفلس‏،‏ ذكىٌّ غاية الذكاء‏، وفىٌّ كل الوفاء‏، وله فى نفسى مكان خاص)، ولم يمنعه فقره وإفلاسه من أن يكون سكرتيرًا عامًا للوفد ثم زعيماً للأمة، اشتراها بإخلاصه ووطنيته فقط، وليس بالاستثمار فى شراء المناصب الحزبية بالمال السياسي.

• ما رأيك فى الاتهامات الموجهة لسعد زغلول بموالاته للإنجليز.. وما سبب ظهورها؟
بعضهم يتخيل أن اصطناع التاريخ على هواه يمكنه تشويه سيرة رجل لازالت ذكراه حية حتى الآن بعد ما يقترب من 100 عام على وفاته، بدليل اهتمام منبركم الإعلامى المحترم وتفضل حضرتك بمنحى فرصة هذا الحوار، فسعد، شأنه شأن أى زعيم، دأب خصومه السياسيون على الصاق كل نقيصة به، كذلك روجت لها بعض تيارات الإسلام السياسى الممتدة منذ عام 1928 التى كانت ترى فى شعبية الوفد، المستمرة بعد وفاة سعد، انتقاصًا من وجودها فى الشارع، ونقل عنها بعض المعاصرين عن جهل للأسف، فاتهمته بالكثير كإدعاء موالاته للانجليز، رغم أن الانجليز أنفسهم، فى الوثائق السرية البريطانية المفرج عنها، قالوا عنه على لسان مندوبهم السامى "جورج لويد" فى برقية لحكومته حملت رقم 216 فى 19 مايو 1926 مع تداعيات أزمة عام 1925 قائلًا: (يعتبر سعد فى نظر المصريين بصورة عامة تجسيدًا للروح المعادية لبريطانيا، وعودته إلى السلطة تعتبر ضربة مباشرة وخطيرة لبريطانيا العظمى)، أيضًا برقية رقم 113 إبريل عام 1927 ـ مرسلة من"أوستين تشمبرلين" وزير الخارجية البريطانى إلى "جورج لويد" يقول فيها: (أنت مُخَوَّلٌ أن تعلن - إذا كان ذلك ضروريًا - أو - عندما يكون ذلك ضروريًا - أن حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا العظمى لن تسمح بأن يتولى سعد زغلول باشا السلطة) هذه شهادة العدو!

الشاهد أن رجلًا لا زالت سيرته حية وكأنه غادرنا بالأمس، لم يترك المؤرخون، مصريون أو عرب أو أجانب، شاردة أو واردة من حياته إلا تتبعوها وحققوها، حتى تنسيق بيته وحديقته، لهو رجل جدير بان يكون له خصومه، وأن يبقى، إلى يومنا، خاطرًا يهفو على كل خيال.

• ذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعى أن تشكيل الوفد لم يكن فكرة سعد زغلول ولكن أول من فكر فيه الأمير عمر طوسون.. ما تعليقك؟
اذكر أن المؤرخ الكبير قال نصًا (لم يكن يخلو مجتمع من المصريين فى أواخر الحرب الماضية من التحدث عن مصير البلاد وما يجب عمله لتحقيق أمانيها فى مؤتمر الصلح، على أن إول من فكر فى تأليف وفد للمطالبة بحقوق مصر هو الأمير عمر طوسون).. بمعنى أن طوسون بالفعل هو أول من طرح الفكرة بصورة علنية، وإلا كيف عرف الرافعى أنه فكر!، بينما كانت موجودة عند كثيرين غيره، وناقشها طوسون مع سعد فى أكثر من لقاء جمعهما خلال شهر أكتوبر 1918.

والحقيقة أن الفكرة ظهرت فى العلن خلال أكتوبر 1918، فى صورة ثلاثة وفود: وفد طوسون، ورفضه السلطان فؤاد لعدم رغبته فى مشاركة الأسرة العلوية فى العمل السياسى ونبه طوسون بذلك، ووفد اخر حاول السلطان فؤاد تشكيله بطريقة رسمية حكومية، ضم حسين رشدى رئيس الوزراء وعدلى يكن وزير المعارف، ووفد سعد الذى اختلف وتميز بشعاره "حركة شعب لا إمارة، وحركة استقلال لا خلافة"، والملاحظ ـن كل من خطرت له الفكرة ـ سواء طوسون او السلطان ـ حاول ضم سعد لوفده، بينما رأى سعد أن وجود ثلاثة وفود سيؤدى الى فشل المشروع، فدعم هيئة وفده بعناصر ممثلة لجميع القوى السياسية، والشاهد أن العبرة بالنتائج، والنتيجة أن وفد سعد هو الذى اختارته الأمة ووكلته لقيادة كفاحها بعد أن صهرت بقية الوفود نفسها داخله دون اعتراض.

• كانت هناك اتهامات سابقة من الكاتب الراحل طه حسين لسعد زغلول بأنه كان محاربًا لحرية الرأى بعد كتابه مقال لمعارضة حكومة سعد زغلول.. ما تعليقك؟
ليس طه حسين وحده فى الحقيقة، بل سبقه مصطفى كامل قبل الثورة، ثم طه حسين ومحمد حسين هيكل، واخرون غيرهم، أولئك العمالقة لم يخرج الموضوع لديهم عن إطار المنافسة السياسية لتحقيق هدف وطني يرى كل منهم أنه صواب من وجهة نظره، وربما كان طه حسين هو أشدهم إمعانًا فى الخصومة، وله أسبابه، فكتب تحت عنوان "ويلٌ للحرية من سعد"، مقالًا قال فيه ساخرًا (.. سعد وكيل الأمة في كل شيء، حتى فى قراءة الصحف، أيتها الأمة المصرية. طيبى نفسًا، وقرِّى عينا، اهدئى واطمئنى، فقد قيَّض الله لك رجلًا يريحك في كل شيء، لا تطالبى بالاستقلال فسعد يطالب به، لا تعشقى الحرية فسعد يعشقها..) فماذا كان رد سعد على الرجل الذى اتهمه بوأد الحريات، وهو رئيس الوزراء الذى يمكنه وأد حرية الصحافة بإيقاف ترخيص الجريدة، وزعيم الأمة القادر على تحريكها ضد خصومه برمشة عينه؟ لم يفعل شيئًا إلا ما قاله (كل تقييد للحرية لا بد أن يكون له مبرر من قواعد الحرية نفسها وإلا كان ظلمًا) فوضع درسًا سجله التاريخ، وتقدم، كمواطن مصرى، بشكوى للنائب العام ـ وهو أحد مرؤوسيه! ـ فاستدعى الأخير طه حسين لتحقيق طويل أخلت النيابة بعده سبيله دون إدانته بأى اتهام! وهو بالمناسبة نفس ما فعله سعد مع اتهامات محمد حسين هيكل وسليمان فوزى صاحب مجلة الكشكول، وبرأتهم المحكمة بحيثيات حرية نقد شخصية عامة.

واترك لحضرتك ولقراءك الكرام التعقيب والتقييم، عمومًا فالخلفية السياسية للأديب الكبير ـ كعضو بارز فى حزب "الأحرار الدستوريين، وريث حزب الأمة" حزب الأقلية المعارض لحكومة الوفد وقتها ـ ربما تفسِّر عداءه لزعيم حزب الأغلبية، بدليل تبدل موقفه 180 درجة وقبوله منصب وزير المعارف فى حكومة الوفد الأخيرة "يناير 1950 ـ يناير 1952" برئاسة النحاس، بعد أن لم يمكنه توليها من خلال حزبه، رغم أن الوفد برئاسة النحاس هاجم تعيينه عميدًا لكلية الآداب، 1928، وأجبره على الاستقالة بعد أقل من 24 ساعة فقط من توليه العمادة!

• ما هى أبرز النجاحات التى حققها سعد زغلول طوال حياته السياسية؟
سعد لم يصنع نجاحاته الكثيرة وحده، وإنما صنعتها الأمة ممثلة فى شخص سعد، من إطلاق النهضة الحضارية إلى إرساء أسس الاستقلال واحترام الدستور والحريات والقضاء، والسعى لتكوين جيش قوى تمهيدًا لإعلان مصر جمهورية، وهو ما أثار عليه الاحتلال فمنعه من تولى الوزارة بعد اكتساح الوفد انتخابات 1925، لكن لعل أبرز نجاحاته الشخصية هو ما قاله عن نفسه: (لو لم يكن لي عند ربى إلا أننى جمعت بين الأقباط والمسلمين في وحدة وطنية لكفانى هذا ذكرًا وفخرًا).

• ما هو الإرث الذى تركه سعد زغلول للوفديين؟
إرث سعد هو بناء المستقبل.. الاستقلال العقلى.. الحريات.. احترام الدستور.. النهضة التي خلقتها ثورة 1919، واختصارًا هو الوطنية المصرية بكل ادواتها وعناصرها ومعانيها، إرث تركه للأمة بكاملها وليس للوفديين وحدهم، بل، وربما يغضبهم كلامى، فالمنتسبين للوفد حاليًا أضاعوا بصراعاتهم الكثير من ذلك الإرث الكبير، إن لم يكن كله، بكل أسف، إلا ما رحم ربك.

• كيف كانت علاقة الزعيم الراحل سعد زغلول بالفن؟
النهضة الفنية هى إحدى نتائج ثورة 19، بداية من سيد درويش، الذى أراه القائد الثالث للثورة بعد سعد وعبد الرحمن فهمى بدوره الكبير فى نشر أخبار الثورة بأناشيده فى وقت لم تكن فيه وسائل إعلام ، أما سعد، فبداية من تعليمه الأزهرى الذى صاغ فنون بلاغته وفصاحة خطابه المشهودة ومن ثم القدرة على استيعاب وتذوق فن تلاوة القران الكريم ومخارج حروفه ـ حتى أنه كان له قارئٌ خاص هو الشيخ محمود البربرى، الذى اعتقله الإنجليز وحاربوه فى رزقه بعد ضبطه يوزع منشورات الثورة ويخفيها بين الجبة والكاكولة ـ إلى اهتمامه بالفن التشكيلى حين ذهب إلى باريس لأول مرة وزار معرض الفنون الجميلة فشاهد النسخة الأولى من تمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار، فكتب إلى مجلس الوزراء يدعوه لإقامته فى مصر ودعا الشعب الى اكتتاب عام لإقامته.

واحكى لك قصة طريفة نشرتها "روزاليوسف" فى فبراير عام 1926 عن زيارة المطرب الشاب الصاعد محمد عبد الوهاب لسعد زغلول، الذى استغل الفرصة وطلب منه غناء أحد أدواره، فاعتذر عبدالوهاب لعدم وجود "سنيدة" أى فريق كورال، فتطوع مصطفى النحاس ومكرم عبيد أن يكونا "سنيدة" لعبدالوهاب والغناء خلفه.

• فى النهاية لو كان سعد زغلول موجودًا الان ما أول قرار سيتخذه فى الحياة السياسية بشكل عام وحزب الوفد بشكل خاص؟
سعد كان أداة جيدة التوصيل بين آلام الأمة واحلامها، لذلك كان سيشارك معها ومع رموزها وقيادتها فى وضع عقد اجتماعى جديد يقوم على الإصلاح السياسى والإجتماعى كحجر أساس للإصلاح الإقتصادى ومواجهة التحديات.

أما الوفد بوضعه الحالى.. فأنا على يقين أنه كان سيستخدم عصاه ضد سيطرة رأس المال السياسى التى استشرت داخل الوفد فأفسدته وغيَّرت تركيبته ومحت مبدأه، ثم يضع له لائحة عصرية بدلًا عن الحالية التي تهىء البيئة الخصبة للفساد والعنصرية بمخالفاتها الصارخة للدستور والقانون، وترسخ للديكتاتورية التي تحميها الوعود والمصالح ـ رغم أنه عمل تطوعى يعبر عن الإرادة ـ ثم يعيد تشكيل الوفد بشفافية ديمقراطية تقوم على الكفاءات التى لا تسعى لتحقيق مكاسب شخصية على حسابه، تعى أهميته وتعرف قيمته وتثمن زخمه ودوره السياسى، وتقدر حاجة الوطن لوجوده كإحدى ساقين تحملان الدولة.. ساق نظام الحكم وساق المعارضة الموضوعية، فيعود كما بدأ.. كيانًا يستمد قوته من رغبة أهالى مصر.