نتفق سويًا على أمر جامع فحواه أن ما يستحسنه المجتمع يصير محكًا للسلوك، وما يستقبحه يصبح معيارًا للرفض، ومن ثم نقيس تصرفاتنا وما نصدره من سلوكيات في ضوء ما تجمعنا حوله؛ حيث يشكل ذلك فلسفة للقيم المجتمعية التي تحكم الفرد والجماعة، وفي ظلها نكثف جهودنا حيال مناشط التربية التي تساعد في تعديل السلوك عبر مجموعة الخبرات المنظمة التي تسهم في بناء العقول وقدح الأذهان التي تعكسها أداءات تعد مفيدة في مكونها ومكنونها.
وهنا نقر بأن النسق القيمي أضحى عاملًا رئيسًا في إحداث تنمية فكرية تصل بالفرد لمستويات النضوج المرتقبة، ومن ثم يصبح مؤثرًا فعالًا في محيطه، يمتد ذلك بتنامي التواصل مع الآخرين؛ فنرى تبادل الخبرات المحمودة تتم في إطار وسياج آمن بفضل هذا النسق الحاكم لكل المدخلات والراعي لما يحدث من عمليات في داخل الفرد، والملاحظ من سلوكيات أو ممارسات أو أقوال تتمخض عنه، ويظل هذا الأمر ماضيًا مستدامًا ما بقيت الحياة.
ونوقن بأن العلاقة بين الحرية والنسق القيمي تحكمها المسئولية؛ حيث يعي الفرد الراشد في تفكيره وتصرفه أن منح الحرية له مقيد بضوابط لا تسمح بالخروج عن المسار الصحيح في التصرف أو القول؛ فمعنى منح الحرية يشير إلى تجنب التسبب في إيذاء الآخرين سواءً لمشاعرهم أو بأي صورة لا يتقبلها النسق المجتمعي وينفر منها؛ لذا أخذت الحرية المسئولة مستوى متقدم في السلم القيمي.
ويتنامى الشعور بالمسئولية بقدر احتكاك الفرد بمحيط مجتمعه، ويبدأ هذا حينما يدرك أن له دورًا وأن له رأيًا فيما يجري من حوله، وأنه مهتم بقضايا هذا المجتمع ومجريات أحداثه؛ فيشارك الجماعة في العديد من المناشط وفق ما يمتلك من قدرات وخبرات، وهذه المسئولية نرى أنها تشكل شخصية الفرد، بل وتدعمه في مسارات تفكيره؛ فيستطيع أن يمارس صور الابتكار وألوانه، ويمكنه أن يحقق ذاته في خضم الخبرات التي أضحت في متناول الجميع عبر الفضاء المملوء بزخم معلوماتي غير مسبوق.
وعطفًا على ما تقدم يستطيع الإنسان وفق إدراكه لمسئولياته أن يمضي في طريق النتاج المثمر؛ فيستثمر طاقاته وينمي مهاراته، ويوظف المتاح لديه من منابر التقنيات الرقمية فيما هو نافع وصائب، وفي ضوء ذلك يعي تمامًا أن المسئولية تُعد محفزًا ومقومًا لا معوقًا أو مكبلًا له، وأنها لا تنفك مطلقًا عن النسق القيمي الذي نتبناه، بل وتحميه قوة الدستور والقانون.
ومن مسلمات تحمل المسئولية أنها تحض الفرد على أن يحافظ على مقدرات وطنه ويعمل على صيانتها ولا يقبل بأي حال حالات التعدي عليها، وتلك قيمة المسئولية المدنية، وفيها يعي ويحترم المواطن ما أقره الدستور والقانون؛ فيلتزم بالسلوك القويم، بل ويحث غيره على التمسك بها؛ فتنجو سفينة الوطن وتتمكن من الإبحار في مسار النهضة واستكمال مراحل البناء، كما أن هذه القيمة تورث الإيجابية في وجدان الإنسان؛ فتجعله مبادرًا مشاركًا مقدامًا غير متخاذلًا، يؤدي ما عليه ويزيد ويكابد من أجل أن يصل إلى المرمى ولو لم يصبه النفع.
وحري بالذكر أن هناك قيمًا في النسق الذي نؤمن به نحتاج أن نغرسها لدى أبنائنا في مراحل مبكرة، وبالطبع ترتبط بصورة وثيقة بتحمل المسئولية، ومنها الصبر ليستطيع الفرد أن يصل إلى ما يصبوا إليه؛ فلا يصيبه الشعور بالإحباط أو الكلل والملل، بل ويعمل على مواجهة كافة التحديات والصعوبات، ومن ثم يحول الأزمات لمنح بأسلوب مبتكر وراق وهادئ لا يغمره التسرع والاندفاع غير المحسوب.
وهناك أيضًا الثقة بالنفس والتي تنبري على قوة العزيمة والإرادة في تحقيق الغاية، مما يزيد الإنسان منا قوة في التحمل؛ فلا يستسلم في حالة الشدة أو تفاقم الأزمات، بل تتضاعف القوة الكامنة لديه ليجتاز المشاق، ويحقق الهدف، ويحد من توقعات الخسران أو الإخفاقات أو المخاطر المرتقبة؛ فيمكنه من أن يصنع القرار ويتخذه بمنهجية مبتكرة تساعده في أن يصل لمراده ويوطد علاقاته بالآخرين؛ حيث لا يخضع لضغوط أو يقبل تنازلات من شأنها أن تقلل من موقفه أو تضعفه.
إن تحمل المسئولية في إطار نسقنا القيمي دلالته تكمن في اتجاهات الفرد الإيجابية نحو الارتقاء والنهضة بوطنه في شتى مجالاتها التنموية، وهذا يؤكد علينا ضرورة العمل على توفير المناخ الداعم للتنافسية في صورتها الصحيحة، حتى نضمن العدالة والمساواة في إتاحة الفرص؛ فتتدفق الأفكار والممارسات من أذهان تقدحها تلكما القيمة المعززة للأداء في صورته الابتكارية الفردية منها والجماعية على حد سواء.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.