ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما حكم الشرع في التسَوُّل، وما حكم إعطاء المتسولين المنتشرين في الأماكن العامة؟
وقالت دار الإفتاء إنه يختلف الحكم الشرعي في سؤال الناس باختلاف الأحوال: فيكون حرامًا إذا كان صاحب السؤال غنيًّا أو لديه ما يكفيه؛ لأن فيه مذلَّة بغير وجه حقٍّ، ويكون مباحًا له إن كان فقيرًا لا يقدر على الكسب لضرر وقع به، وقد يكون واجبًا إن عجز مطلقًا عن الكسب وحياته مرهونة بالسؤال.
وتابعت دار الإفتاء: مع الأخذ في الاعتبار أن هذا لا يكون إلا بقدر الحاجة، وألا تُتخذ المسألةُ مهنةً؛ لأنها في الأصل مذمومة شرعًا. ويجوز إعطاء السائل في الشارع إذا غلب على الظنِّ أنه محتاج.
وأكدت دار الإفتاء أن الأصل في سؤال الناس مِن غير حاجة أو ضرورة داعية أنَّه مذمومٌ في الشرع؛ لأنه يتضمن المذلةَ والمهانةَ للمسلم، وهو مما يُنَزِّهُه عنهما الشرعُ الشريفُ، وقد روى مسلمٌ عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألَا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» وكنا حديثَ عَهدٍ ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله. ثم قال: «ألَا تُبايِعُونَ رسولَ الله؟» قال: فبَسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا»، وأَسَرَّ كلمة خفية، «ولا تسألوا الناس شيئًا». قال الراوي: "فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطُ أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إياه".
وروى الإمام أحمد وابن حِبَّان واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: «لا يَفتح إنسانٌ على نفسه بابَ مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، لأَنْ يَعمِد الرجل حبلًا إلى جبل فيحتطب على ظهره ويأكل منه خيرٌ مِن أن يسأل الناس مُعطًى أو ممنوعًا».
وذكرت دار الإفتاء أن الناس لهم أحوال في المسألة، وباختلاف أحوالهم تختلف أحكامهم؛ فالسائل إذا كان غنيًّا عن المسألة بمال أو حرفة أو صناعة ويُظهِر الفقر والمسكنة ليعطيه الناس؛ فسؤاله حرام، ويدل على هذا ظاهر الأحاديث الواردة في النهي عن السؤال؛ ومنها ما رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ له من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَزَالُ المَسألةُ بأحَدِكُم حتَّى يَلقَى اللهَ وليسَ في وَجهِهِ مُزعَةُ لَحمٍ». والمزعة هي: القطعة.
أمَّا إن كان السائل مضطرًا للسؤال؛ لفاقة أو لحاجة وقع فيها، أو لعجز منه عن الكسب فيباح له السؤال حينئذٍ ولا يحرم؛ ودليل ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إنَّ المسألةَ لا تَصْلُحُ إلا لثَلاثَةٍ: لذي فَقْرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ».
وأما إعطاء المتسولين فليس على إطلاقه، بل هو منوط بغلبة الظن بحاجة السائل وصدقه، وإذا رأى المعطي أن يتحرى عن حاله فله ذلك خاصة في أموال الزكاة التي أوجب الله صرفها لمستحقيها، وتظهر أهمية ذلك في بعض الأماكن التي أصبح التسول فيها حرفة يتكسب منها أصحابها، بل مهنة تُمتهن ويُساق إليها الأطفال لتعلمها من صغرهم، ولا شك أن ذلك مؤشر خطر على أمن المجتمع وسلامته، وانتشار التسول وصيرورته ظاهرةً هو دليلٌ على تخلف الشعوب والأمم، وشاهد على قلة التكافل والتعاون فيما بين الناس.