ذهبنا إلى باريس بلا فائدة تذكر.. فلا كسبنا ذهبية واحدة، ولا حققنا أكبر إنجاز فى أكبر بعثة أولمبية مشاركة فى أولمبياد باريس!
حتي منتخبَي اليد وكرة القدم، كان أداؤهما متأرجحاً؛ وعدانا بالكثير فى حماسة البداية، ثم انهار أداؤهما فى النهايات، لنعود من المنافسات الجماعية بخفي حنين، كما فى الفردية!
العرب جميعهم لم يحققوا إلا عدد من الميداليات أقل من أصابع اليدين! ومصر لم تحقق سوي برونزية واحدة على يد المبارز المصري محمد السيد فى مسابقة السيف. فتساوت مصر بتاريخها الأوليمبي الكبير مع دول مثل منغوليا والرأس الأخضر وفيجي وبوتسوانا بل ومع منتخب اللاجئين الذي كان مشاركاً بالبطولات!
أمر لا ينبغي أن يمر مرور الكرام؛ فلا يمكن السكوت على مثل هذا الفشل الذريع فى قطاع حيوي ومهم مثل قطاع الرياضة، ولابد من حساب رادع للمسئولين عن مثل هذا الفشل.
بطولة مثيرة للجدل
بطولة الألعاب الأولمبية الصيفية، والمعروفة ببطولة باريس 2024،هي االبطولة السادسة لفرنسا تنظيمياً والثالثة فى دوراتها الصيفية. وسوف تقام الدورة القادمة عام 2028 فى مدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية.
منذ اللحظة الأولي لانطلاق البطولة، باتت مثاراً للقيل والقال إعلامياً. بسبب الفضيحة الأخلاقية الشهيرة فى مهرجان الافتتاح، والتي تناولت رموزاً دينية بالسخرية وهو الأمر الذي أهاج كنائس العالم ضد فرنسا، حتي اضطرت مواقع التواصل لحذف مقاطع الفيديو الخاصة بحفل الافتتاح!
أكثر من هذا أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية (ماريا زخاروفا) خرجت بقائمة انتقادات ضد أولمبياد باريس لم تتوقف عند انتقاد حفل الافتتاح المخجل والصادم، وإنما مسائل تنظيمية أخري مثل منع بعض مشاهير الرياضة من المشاركة لأسباب سياسية، ومثل تعرض وسائل النقل الرئيسية للتعطل والتأخير بالساعات، وكثرة الفئران فى شوارع باريس، وأن أحد حاملي شعلة الأولمبياد مدمن مخدرات معروف، وهو مغني الراب "سنوب دوغ".
لقد تواصلت الانتقادات ضد فرنسا فى تنظيمها للبطولة، واعتبرها البعض أسوأ بطولة دولية من الناحية التنظيمية. وهو ما جعل كثيرين يستعيدون مشاهد من حفلات افتتاح لبطولات سابقة للتأكيد على مدي ضحالة وتدني المستوي التنظيمي لأولمبياد باريس. وقد شكا كثير من الرياضيين من سوء الاهتمام بنظافة أماكن الإقامة، وبوجبات الطعام، وبعضهم عاني من الجوع، بسبب انتهاج فرنسا التغذية النباتية، حتي جمهور الأولمبياد عاني الأمرين بسبب هطول الأمطار بشكل كثيف على بعض الملاعب. كل هذا وغيره جعل تنظيم الأولمبياد هذا العام يتعرض لانتقادات واسعة نقلتها وسائل الإعلام فى العالم كله.
أكبر بعثة وأقل إنجاز
شاركت بعثة مصر الأولمبية بعدد كبير من اللاعبين فى مختلف الرياضات بلغ 164 لاعباً، منهم 148 لاعباً أساسياً و16 لاعب احتياطي. ووصلت تكلفة المشاركة فى الأولمبياد أكثر من مليار جنيه. لكن النتائج لم تكن أبداً كما توقعناها ولا قريبة منها..
لقد شاركت مصر فى العديد من الألعاب والرياضات الفردية والجماعية خلال تلك الدورة، على رأسها كرة القدم واليد والطائرة والسباحة التوقيعية وألعاب الماء والطائرة الشاطئية والسباحة القصيرة والشراع والتجديف وتنس الطاولة والجمباز والتنس، كما شاركت فى الألعاب القتالية كالتايكوندو والملاكمة والجودو والمصارعة والسيف. بالإضافة لألعاب القوي ورفع الأثقال والفروسية والدراجات والرماية. كلها عادت تجر أذيال الخيبة ولم نحظي إلا بميدالية يتيمة برونزية لا تسمن ولا تغني!
خيبة الأمل الكبري جاءت مع فريقي اليد وكرة القدم؛ لأن أداءهما الأوليّ ظهر مبشراً بنجاح أحدهما على الأقل في نيل ميدالية ولو برونزية. لكننا فوجئنا بهزائم غير متوقعة أخرجت الفريقين من سباق الميداليات، وكانت الهزيمة الأشد وطأة هي هزيمة فريق كرة القدم المصري في آخر مبارياته من المغربي بستة أهداف مقابل لاشئ!
أتساءل: هل سيُحاسب أحد على مثل هذا التقصير والإهمال والأمل الكاذب في بعثة لا ترقي لمنافسات تزداد صعوبة كل عام، بينما تنحدر الرياضة عندنا عاماً بعد عام!
أسباب الإخفاق
عندما سئل كريم درويش بطل الاسكواش عن رأيه فى الإخفاق الكبير لبعثة مصر الأولمبية، وهو الذي عاصر عدة عهود من المسابقات الدولية، ويعلم طرفاً مما يحدث داخل أروقة ودهاليز الرياضة المصرية فقال كلاماً يعرفه أكثرنا لا يخرج عن مشاكل اتحادات الرياضات وإداراتها وما يحدث داخلها من فساد فاق الحدود. بل حتي عندما سئل عن رياضة الاسكواش التي كنا نحقق فيها نتائج دولية متقدمة، أكد أن الاسكواش هو جزء من منظومة متردية، ولو لم نستطع استدراك المشكلة منذ الآن، فلا يمكننا توقع تحسن أو تطوير يبشر بأي تغيير فى المستقبل.
وقال إن الدعم المادي الذي جاوز المليار جنيه، لا هو بالقليل ولا بالكثير، وأن قيمة الدعم نفسها ولو وصلت مائة مليار فليس بإمكانها تحقيق نتائج ما دام الفساد يمتصها والإدارة السيئة للاتحادات الرياضية تسيء توزيع هذا الدعم وتبدده بلا مردود حقيقي ملموس.
لقد كان هناك ما يشبه الإجماع أن السبب الرئيسي فى إخفاق فريق كرة القدم يكمن في اتحاد الكرة ومجلس إدارتها الذي ترك فريق الكرة ومدربه البرازيلي دون دعم مطلقاً؛ بداية من المباريات الودية الضعيفة مع فرق متواضعة بعضها لم يتأهل للأولمبياد، وعدم تدعيم الفريق بالمحترفين من الفرق المحلية الكبري، التي رفض أكثرها تزويد منتخبنا الأولمبي باللاعبين المميزين. كل هذا تسبب فى قلة الخيارات التبديلية أمام ميكالي المدرب الفني للفريق المصري، وهو ما أدي، بعد كثرة الإصابات، لأداء دفاعي ضعيف أمام منتخب المغرب فى آخر مواجهات فريق مصر، وأدي لمثل هذه الخسارة الفادحة بستة أهداف نظيفة!
لقد كانت لدينا فرصة قوية لمشاركة مؤثرة تضاف لتاريخ مصر الأولمبي، لكننا أضعناها. فهل نستمر فى إضاعة الفرص وتدعيم الفساد داخل الاتحادات. سنفعل هذا إذا تركنا الوضع على ما هو عليه دون محاسبة المسئولين عن الإخفاق، وإعادة هيكلة المنظومة الرياضية بشكل صحيح يعيد وضع مصر على خريطة المنافسة العالمية.
كبار وصغار الفائزين
الولايات المتحدة كانت أكبر الفائزين فى الأولمبياد؛ إذ حصد لاعبوها عدداً من الميداليات جاوز مائة ميدالية أكثرها فضية. وبعثتها أكبر بعثة حصلت على ذهبيات بواقع 30 ميدالية ذهبية، تليها الصين التي حصلت على 29 ميدالية ذهبية، وإجمالي ميداليات بلغ 73 ميدالية.
فرنسا، منظمة الحدث، الثالثة من حيث عدد المدياليات التي وصلت إلى 54 ميدالية، منها 14 ميدالية ذهبية. وقد تفوقت عليها استراليا بواقع 18 ميدالية ذهبية وإن كانت أقل من حيث إجمالي عدد الميداليات بواقع 45 ميدالية. ثم بريطانيا التي حصدت 51 ميدالية منها 13 ميدالية ذهبية.
باقي العشرة الكبار حصد بين 22 إلى 33 ميدالية، وهي دول: اليابان وكوريا الجنوبية وهولندا وإيطاليا وألمانيا. وهناك دول تخوض صراعات عسكرية وقلاقل داخلية حصلت علي عدد جيد من الميداليات. أوكرانيا مثلاً حصلت على 10 ميداليات! وإيران على ستة، وإندونيسيا 3 ميداليات. والكيان الصهيوني 6 ميداليات. وكوريا الشمالية 6 ميداليات!
دول أخري قد لا تعرف موقعها على الخريطة حصلت على عدد من الميداليات؛ فقد حصلت تايبيه الصينية على 6 ميداليات، وسانت لوسيا على ميداليتين، وكازاخستان على 7 ميداليات، ومولدوفا على ميداليتين، وجرينادا على ميداليتين!
إنه مهرجان الميداليات الذي لم نخرج منه إلا، كالمعتاد، بمجرد التمثيل المشرف! وهل كان التمثيل مشرفاً حقاً؟!