لاشك أن الاستفهام عن ما حكم إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن؟ تطرحه ظروف عمل المرأة ، التي تجعلها تصلي خارج بيتها ومع النساء بمكان العمل ، فقد فرضت تداعيات العصر الحديث هذا السؤال عن ما حكم إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن؟حيث أصبح من الأمور المألوفة ، وحال الكثير من النساء اللاتي حرصن على أداء الصلاة بأكمل أجر.
ما حكم إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن يجوز للمرأة أنْ تَؤُمَّ غيرَها مِن النساء في صلاة الفرض، ويكون وقوفها للإمامة معهنَّ في وسط الصف، فإنْ تقدَّمَت عليهنَّ صَحَّت صلاتهنَّ مع الكراهة.
وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال : ما حكم إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن ؟ حيث إن مجموعة مِن النساء يجتمعن كلَّ فترة، وتسأل إحداهن: هل يجوز أن تَؤُمَّ المرأة غيرها من النساء في صلاة الفرض؟ وما مكان وقوفها للإمامة إن جاز لها أن تَؤُمَّهُنَّ؟، أن نصوص الفقهاء في إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن ، منها ما قال الإمام برهان الدين المَرْغِينَانِي الحنفي في "بداية المبتدي" (ص: 16، مكتبة علي صبيح): [ويكره للنساء أن يُصَلِّين وَحْدَهُنَّ الجماعة، وإن فعلن قامت الإمام وَسْطَهُنَّ] اهـ.
وتابعت: وقال الإمام أبو بكر الحَدَّاد الحنفي في "الجوهرة النيرة" (1/ 60، ط. المطبعة الخيرية): [قوله: (ويكره للنساء أن يُصَلِّين وَحْدَهُنَّ جماعة) يعني بغير رجال، وسواء في ذلك الفرائض والنوافل والتراويح.. قوله: (فإن فعلن وقفت الإمامة وسطهنَّ) وبقيامها وسطهنَّ لا تزول الكراهة؛ لأن في التوسط ترك مقام الإمام، وإنما أرشد الشيخ إلى ذلك لأنه أقل كراهة من التقدم إذ هو أستر لها، ولأن الاحتراز عن ترك الستر فرض، والاحتراز عن ترك مقام الإمام سُنَّة، فكان مراعاة الستر أَوْلَى.. وإنْ تقدَّمَت عليهنَّ إمامتُهنَّ لم تفسد صلاتُهنَّ] اهـ.
واستندت لما قال الإمام اللَّخْمِي المالكي في "التبصرة" (1/ 328، ط. أوقاف قطر): [فأما إمامتها النساءَ فالصوابُ جوازُها ابتداءً عند عدم مَن يَؤُمُّهُنَّ مِن الرجال، وذلك أحسَنُ مِن صلاتهنَّ أفذاذًا، ويُكره مع وجود مَن يَؤُمُّهُنَّ مِن الرجال، فإن فَعَلْنَ أجزأَت صلاتُهنَّ؛ لِتساوي حالِهِنَّ، ولأنه لم يأت أثرٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بِمَنْعِ إمامتهنَّ] اهـ.
ودللت بما قال الإمام ابن ناجي التَّنُوخِي المالكي في "شرحه على متن الرسالة" (1/ 172، ط. دار الكتب العلمية) في ذكر جواز إمامة المرأة للنساء: [قال عياض في "الإكمال": واختاره بعضُ شيوخنا.. وحيث تَؤُمُّ فإنها تَقِفُ في الصف، قاله ابنُ هارون. قلتُ: وكان بعضُ مَن لَقيناه يذهب إلى أنها تَقِفُ آخِرَهُنَّ وَحْدَها وهُنَّ أمامها؛ لقوله عليه السلام: «أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللهُ»، وكنتُ أُجيبُه بأن معنى الحديث إنما هو حيث تكون مأمومةً، وأما إذا أَمَّتِ النساءَ على القول به فتصير كرجلٍ مع رجال، والله أعلم] اهـ.
واستشهدت بما قال الإمام العِمْرَانِي الشافعي في "البيان" (2/ 429، ط. دار المنهاج): [فالسُّنَّة أن تقف إمامتُهنَّ وسطهنَّ، قال ابن الصَّبَّاغ: ولا يُعرف فيه خلاف.. فإن تقدمت عليهنَّ وصلَّت بهنَّ كُره، وصحت صلاتهنَّ] اهـ. وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 255، ط. دار الفكر): [وأما صلاتها وصلاة مَن وراءها مِن النساء فصحيحة في جميع الصلوات] اهـ. وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 148-149، ط. مكتبة القاهرة): [وممن روي عنه أن المرأة تؤم النساء: عائشة، وأم سلمة رضي الله عنهما، وعطاء، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور.. إذا ثبت هذا، فإنها إذا صلت بهنَّ قامت في وسطهنَّ، لا نعلم فيه خلافًا بين من رأى لها أن تؤمهنَّ، ولأن المرأة يستحب لها التستر، ولذلك لا يستحب لها التجافي، وكونها في وسط الصف أستر لها؛ لأنها تستتر بهنَّ من جانبيها، فاستحب لها ذلك كالعريان] اهـ.
وأشارت إلى ما قال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 299، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (وإذا صلَّت امرأةٌ بنساءٍ قامت وسطهنَّ) هذا مما لا نزاع فيه] اهـ. وقال الإمام ابن حزم في "المحلى" (3/ 137، ط. دار الفكر): [وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "تَؤُمُّ الْمَرْأةُ النِّسَاءَ، وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ". وعن ابن عمر رضي الله عنهما "أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ نِسَاءَهُ فِي رَمَضَان". وعن عطاءٍ ومجاهدٍ والحسن: جواز إمامة المرأة للنساء في الفريضة والتطوع، وتقوم وسطهنَّ في الصف.. وحكمها عندنا: التقدم أمام النساء] اهـ.
حكم إمامة المرأة للنساء ومكان وقوفها معهن
ونوهت بأن الإمام في الصلاة المكتوبة إما أن يكون رجلًا أو امرأة، فإن كان رجلًا فلا خلاف في جواز إمامته -بشروطها عند العلماء-، سواء كان المؤتمون به رجالًا أو نساءً أو أطفالًا. أما إن كان الإمامُ امرأةً فيختلف الحكم في إمامتها باختلاف المؤتمين بها، فإن كانوا رجالًا فلا خلاف في عدم جواز إمامتها لهم، ولا تصح صلاتهم، كما في "اختلاف الأئمة العلماء" للإمام عون الدين ابن هُبَيْرَة (1/ 133، ط. دار الكتب العلمية).
واستطردت: أما إن كان المؤتمون بها نساءً، فتُشرع إمامتها لهنَّ في الفريضة -كما هي مسألتنا-، وتقف معهنَّ في وسط الصف عند إمامتها، فإن وقفت أمامهنَّ جاز ذلك مع الكراهة؛ لأنَّ في التوسط سترًا لها، وهو أَوْلَى مِن وقوفها أمامهنَّ، وقد نص على جواز ذلك جمهورُ الفقهاء مِن الحنفيةِ -مع الكراهة-، وبعضِ فقهاء المالكية -وقيَّده الإمامُ اللَّخْمِي بما إذا لَم يُوجَد مَن يَؤُمُّهُنَّ مِن الرجال، وإلا كُرِهَ-، والشافعيةِ والحنابلةِ، وهو المروي عن جماعة مِن الصحابة والتابعين ومَن بعدهم مِن الأئمة المجتهدين، فنُقل ذلك عن أم المؤمنين السيدة عائشة، وأم المؤمنين السيدة أم سلمة، وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وعطاء، ومجاهد، والحسن البصري، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وابن حزم، رحمهم الله جميعًا.
ولفتت إلى ما ورد عن عطاءٍ عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها "أَنَّهَا كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ، تَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ" أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن الكبرى". وعن حجيرة بنت حُصَيْن رضي الله عنها قالت: "أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ، قَامَتْ بَيْنَنَا" أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "المصنف"، والدارقطني والبيهقي في "السنن" وغيرهم. وعن أُمِّ وَرَقَةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «أَذِنَ لَهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ نِسَاءَهَا» أخرجه الأئمة: ابن راهويه وأحمد -واللفظ له- في "المسند"، وأبو داود والدارقطني والبيهقي في "السنن" وغيرهم.
فضل الإمامة في الصلاة
وأفادت بأن إمامة الصلاة في الإسلام لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ إذ بها تُقام جماعة المسلمين فتفضل صلاتهم وترتفع درجاتها عن صلاتهم منفردين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.