ما هو عقاب أكل مال الحرام وكيفية التخلص منه؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي ونرصده في التقرير التالي.
ما هو عقاب أكل مال الحرام؟
الكسب من طريق غير مشروع ذنب تجب التوبة منه؛ فقد أمر الإسلام أتباعه بالكسب الحلال، وأن تكون سبل كسب المال مشروعة وجائزة؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168]، ونهاهم عن أكل أموال الناس بالباطل؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقد جاء فيما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا».
وعلى هذا فمن أخذ مالًا بغير وجه حق وجب عليه رده إلى أهله إذا علمهم وكانوا أحياء أو إلى ورثتهم إن كانوا موتى، فإن لم يعرفهم فإلى بيت المال فهو وارث من لا وارث له، ويمثله الآن في مصر بنك ناصر الاجتماعي؛ قال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 398، ط. مؤسسة الرسالة): [والواجب في المال الحرام التوبة، وإخراجه على الفور، يدفعه إلى صاحبه أو وارثه، فإن لم يعرفه أو عجز دفعه إلى الحاكم] اهـ.
وقد تكلم الفقهاء في كيفية التصرف في المال المكتسب من طريق غير مشروع؛ فيرى جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، أنه لا يجوز إتلاف هذا المال بأي نوع من أنواع الإتلاف، بل يجب رده لأهله، فإن لم يعلم أهله أو عجز عن رده كان عليه أن يصرفه في مصارفه الشرعية كأن يتصدق به على الفقراء، أو أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة كالقناطر وغيرها، وأجازوا له أن يأكل منه إن كان فقيرًا، وكذلك أن يعطيه لمن كان فقيرًا من أهله؛ فالأقربون أولى به من غيرهم؛ قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار" (ص: 356، ط. دار الكتب العلمية): [(عليه ديون ومظالم جهل أربابها، وأيس) من عليه ذلك (من معرفتهم فعليه التصدق بقدرها من ماله وإن استغرقت جميع ماله)، هذا مذهب أصحابنا لا نعلم بينهم خلافًا] اهـ.
وقال الإمام القرطبي المالكي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 366-367، ط. دار الكتب المصرية بالقاهرة): [قال علماؤنا: (إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرًا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه. وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه. فإن التبس عليه الأمر ولم يدرِ كم الحرام من الحلال مما بيده، فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه. فإن أيس من وجوده تصدق به عنه. فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدًا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين، حتى لا يبقى في يده إلا أقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه، وقوت يومه، لأنه الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه] اهـ.
وقال العلامة النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (9/ 351، ط. دار الفكر): [قال الغزالي: (إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه؛ فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة؛ كالقناطر والمساجد ومصالح طريق مكة ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه، وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء، وينبغي أن يتولى ذلك القاضي إن كان عفيفًا، فإن لم يكن عفيفًا لم يجز التسليم إليه؛ فإن سلمه إليه صار المُسَلِّمُ ضامنًا، بل ينبغي أن يُحَكِّمَ رجلًا من أهل البلد دَيِّنًا عالمًا فإن التحكم أولى من الانفراد، فإن عجز عن ذلك تولاه بنفسه؛ فإن المقصود هو الصرف إلى هذه الجهة، وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون حرامًا على الفقير، بل يكون حلالًا طيبًا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرًا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم بل هم أولى من يتصدق عليه وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضًا فقير). وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب وهو كما قالوه ونقله الغزالي أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف عن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين. والله سبحانه وتعالى أعلم] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح في "المبدع في شرح المقنع" (5/ 48، ط. دار الكتب العلمية): [(وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها) فسلمها إلى حاكم برئ من عهدتها ويلزمه قبولها، وله أن (يتصدق بها عنهم) على الأصح، (بشرط الضمان كاللقطة)؛ لأنه عاجز عن ردها إلى مالكها، فإذا تصدق بها عنهم كان ثوابها لأربابها، فيسقط عنه إثم غصبها، ففي ذلك جمع بين مصلحته ومصلحة المالك، لكن بشرط الضمان؛ لأن الصدقة بدون ما ذكر إضاعة لمال المالك، لا على وجه بدل، وهو غير جائز] اهـ.
وقد استدلوا بأنه لما لم يجز إتلاف هذا المال ورميه في البحر لم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين، واستدلوا كذلك بأحاديث كثيرة منها:
ما رواه أبو داود عن عاصم بن كليب عن رجل من الأنصار قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فِي جَنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: «أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ»، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا». فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ أَجِدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَطْعِمِيهِ الْأُسَارَى»، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بإهدار اللحم المشوي المسروق وإنما وجَّه إلى الانتفاع بهذا، ومن ثم يجوز الانتفاع بالمال المكتسب من حرام بإنفاقه في المصالح العامة مثلًا، ولا يحل لمن اكتسب المال من طريق غير مشروع أن ينتفع به.
ومنها أيضًا ما رواه البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه اشترى جارية فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا فلم يظفر به، فتصدق بثمنها، وقال: "اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي".