كان اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران فشلاً أمنيًا مُحرجًا للحكومة الإيرانية. غالبًا يحصل معظم الرؤساء الإيرانيين الجدد على أشهر للاستقرار في نمط التصعيد النووي التدريجي، وأحيانًا، محادثات سرية مع الغرب لتخفيف العقوبات الأمريكية.. لكن الوقت بين حلف اليمين للرئيس مسعود بزشكيان وبين الانفجار داخل دار تابعة الحرس الثوري الإسلامي في طهران، كان قصيرًا جدًا.. الآن بزشكيان، إلى جانب المرشد علي خامنئي وكبار الجنرالات العسكريين، سيكونون غارقين في خيارات حاسمة قد تحدد ما إذا كان ستندلع الحرب بين جيشين في الشرق الأوسط.
القرار النهائي بشأن كيفية الانتقام يقع على عاتق خامنئي الذي أمر القوات الإيرانية الأربعاء الماضي بضرب إسرائيل مباشرة لدورها الظاهر في اغتيال “هنية”، وفق ما نقتله صحيفة نيويورك تايمز عن مصادر مطلعة.
إذا شنت إيران هجمات صاروخية مباشرة، كما حاولت لأول مرة منذ 45 عامًا في أبريل الماضي، فإن ذلك يمكن أن يتصاعد بسهولة. إذا صعد حزب الله، أقرب حليف لها في المنطقة، الهجمات على شمال الأراضي المحتلة أو وسع الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فقد تمتد الحرب إلى لبنان، أو تتطلب إسرائيل تدخل القوات البحرية الأمريكية للحفاظ على خطوط الملاحة مفتوحة.
وبتحليل كل هذه الخيارات تكهنت الصحيفة الأمريكية أن يكون الاختيار الأكثر خطورة على الإطلاق: هو قرار إيران باتخاذ الخطوة النهائية نحو بناء سلاح نووي فعلي.
قالت سوزان مالوني، مديرة السياسة الخارجية في معهد بروكينجز إنه من الممكن أن الزعيم الأعلى، في أمره بضربة انتقامية مباشرة على إسرائيل، يعني هجومًا صاروخيًا مشابهًا لما حاولته إيران في 13 أبريل الماضي، وهو أكبر وأوضح هجوم لها على إسرائيل منذ الثورة الإيرانية عام 1979. لكن حتى هذا الاستعراض للقوة تم التلميح إليه بشكل جيد مسبقًا. الآن من المحتمل أن تحاول الولايات المتحدة التنسيق مع حلفاء في الإقليم لصد هجوم آخر في الأيام أو الأسابيع القادمة. وسيحثون الإسرائيليين على عدم التصعيد عندما يحدث الهجوم، مذكرين أنه في أبريل الماضي، تلاشت مخاوف الحرب الإقليمية بعد أن أسقطت إسرائيل بضع أسلحة في أصفهان، بينما أبقتها بعيدة عن المواقع النووية المحيطة بتلك المدينة.
أشكال أخرى من الانتقام يمكن أن تتبع أيضًا. في حين يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن لا إسرائيل ولا حزب الله يرغبون في حرب على أراضي لبنان، فإن احتمالات وقوع حادث أو رد فعل مفرط قائمة.
الخطوة الأكثر خطورة ستكون عبور الخط من تطوير الوقود لسلاح نووي إلى تطوير السلاح نفسه. وسبق أن حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 19 يوليو الماضي في منتدى أسبن للأمن: “بدلاً من أن يكونوا على بعد عام واحد على الأقل من الحصول على القدرة على إنتاج المادة الانشطارية لسلاح نووي، ربما هم على بعد أسبوع أو أسبوعين من ذلك“.
بدوره، قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، "إذا بدأوا في التحرك في ذلك الاتجاه، سيجدون مشكلة حقيقية مع الولايات المتحدة.”
وفي لبنان، شكل اغتيال القيادي بحزب الله فؤاد شكر صفعة كبيرة للحزب. نقاط ضعف حزب الله من الناحية الاستخباراتية وجرأة إسرائيل المتزايدة قد تحدث أيضاً تأثيراً معاكساً، إذ قد تدفع بالحزب وحلفائه إلى التفكير مرتين في ما إذا كانوا سيلجأون إلى التصعيد وكيف سيتم ذلك.
وعد نصر الله الخميس الماضي بتنفيذ رد عسكري من نوعٍ ما، لكنه لم يذكر بأنه سيتم تنسيقه مع جهات فاعلة أخرى مثل "الحرس الثوري الإيراني" أو الحوثيين في اليمن. وفي الواقع، بدا وكأنه تجنب عمداً ذكر هذا التنسيق أو حتى ذكر اغتيال هنية والرد الإيراني المحتمل.
ومع أنه تحدث عن الدخول في "مرحلة جديدة من المعركة مفتوحة في كل الجبهات"، أوضح أيضاً أن القرار بشأن كيفية الرد لم يتخذ بعد، فقال: "نحن نقاتل إسرائيل لكن بحكمة وغضب. وإسرائيل لا تعرف أين هي اليوم ومن أين سوف يأتيها الرد. نحن نبحث عن رد حقيقي ومدروس جداً".
لعل الأمر الأكثر أهمية هو أن نصر الله أشار إلى أن "حزب الله" سيعود إلى "قواعد الاشتباك" المعتادة على طول الحدود مع إسرائيل في اليوم التالي، مؤكداً أن اشتباكاته التي دامت شهوراً لن تتوقف حتى يتم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة. وبهذا المعنى، أعطى نصر الله المجتمع الدولي سبباً واضحاً يدفعه إلى مضاعفة جهوده للتوصل إلى اتفاق بشأن غزة.
وقام معهد واشنطن للأبحاث بتحليل خطابات نصر الله الأخيرة، موضحًا أنه قبل وقتٍ قصيرٍ من استهداف شكر، تغيرت مجدداً رسائل "حزب الله"، إذ حدد صيغة لكيفية رده على هجمات محددة ورسم بعض الخطوط الحمراء لإسرائيل. لكن إلى جانب خطاب نصر الله، فإنها تشير إلى احتمال حدوث سيناريوهين.
السيناريو الأول هو الرد المتأخر، أي أن "حزب الله" سيضيف مقتـ ـل شكر إلى القائمة الطويلة من الهجمات الإسرائيلية التي وعد بالرد عليها في نهاية المطاف. وبدلاً من ذلك، قد يقرر الحزب التحرك على الفور من خلال ضرب هدف عسكري أعمق داخل إسرائيل بدلاً من حصر هجماته في الشمال أو مرتفعات الجولان.
وبصرف النظر عن الطريقة التي سيصمم بها "حزب الله" رده المحدد، من الواضح أن الحزب يئس من محاولة وقف الخسائر المتزايدة التي تكبدها خلال حرب غزة. وسيؤدي هذا اليأس السيناريو الثاني وهو إنشاء فرص دبلوماسية كبيرة للولايات المتحدة وشركائها إذا تم ذلك على النحو الصحيح.