أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أن صندوق النقد الدولي لا يملي شروطه علي مصر مؤكدا أن هذا لا يحدث، مشيراً إلى أن الدولة تضع مستهدفات واضحة، وتتفق مع الصندوق على برنامج معين تستهدف من خلاله تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة للدولة برقم محدد، أو أن نستهدف أن يكون المسار النزولي للدين في نهاية هذا البرنامج برقم معين، أو أن نستهدف خفض منظومة الدين الخارجي برقم معين، فضلا عن حجم أو زيادة مساهمة القطاع الخاص برقم معين، فنحن نقوم بوضع هذه الأرقام والمستهدفات، ونبدأ في التعاون مع الصندوق في آليات تنفيذها، مشيراً إلى انه قد يحدث خلاف في التوقيتات، فمن الممكن أن يطلب الصندوق تنفيذ مستهدفات خلال فترة قصيرة، بينما ترى الحكومة أنه لا يمكن ذلك في ظل ظروف معينة تمر بها الدولة، وتقترح فترة أخرى حتى لا يكون هناك تداعيات لاتخاذ هذا القرار، معتبراً أن هذه هي المساحة من التفاوض يحدث فيها توازن حتى يكون الأمر مقبولاً، إلا أن المستهدفات الأساسية تضعها الدولة ولا يمليها عليها أحد أو جهة، إلا أن التفاوض يكون على خطوات أو آليات التنفيذ فقط؛ حتى نصل إلى التوازن في الأرقام المستهدفة.
وفي هذا السياق، أشار رئيس مجلس الوزراء إلى أن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي وافق، في اجتماعه أمس، على المراجعة الثالثة في إطار البرنامج الاقتصادي المصري، لكن قيل إنه تم ذلك بعد أن تم تحريك أسعار الوقود، وفنّد الدكتور مصطفى مدبولي ذلك، مؤكدا أنه تم التوافق والإعلان في وقت سابق عن خطة تحريك الأسعار خلال عام ونصف العام، فالحكومة هي التي أعلنت ذلك سواء كان هناك برنامج مع الصندوق أو لا، وذلك انطلاقا من تخفيف أعباء دعم المحروقات التي تزيد عاما بعد عام، ويتم حوكمة هذا الأمر، وذلك لكي تكون الدولة قادرة على توجيه الوفرة في هذه الزيادات ليتم ضخها في برامج أخرى يحتاجها المواطن؛ كالتعليم، والصحة، ومشروعات المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتطوير الريف المصري، والصرف الصحي في القرى، وكان يثار دوما طلبات بوقف إنشاء كباري جديدة، إلا أن الحكومة كانت مطالبة من عدد من نواب البرلمان بضرورة الانتهاء من الكباري التي يتم إنشاؤها.
وفيما يتعلق بجهود إنشاء الطرق والكباري، قال: بدون شبكات الطرق التي نفذتها الدولة لم يكن أي مستثمر ليأتي للاستثمار في مصر ، موضحا أن المستثمر يهتم بحجم البنية الأساسية بالدولة ومدى قدرتها على تدبير احتياجاته من الطاقة كالكهرباء والغاز، والمياه، والصرف الصحي والصناعي، والطرق، مجددا التأكيد على أهمية البنية الأساسية لأي مستثمر إلى جانب جهود تبسيط الاجراءات.
وتطرق رئيس الوزراء إلى وضع البنية الأساسية في مصر قبل عام ٢٠١٤، وساق مثالا على ذلك بقطاع الكهرباء، حيث أوضح أنه لم يكن لدى الدولة شبكات أو قدرات توليد أو موارد لتوفير المواد البترولية اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء، بينما في الأزمة الاخيرة كان لدينا شبكات ومحطات توليد، ولكن بسبب الأزمة الاقتصادية لم نتمكن من تدبير كل احتياجاتنا من الوقود اللازم لتشغيل المحطات، لافتا إلى أن المستثمر يعلم جيدا أنه لدينا إمكانات لتوفير أي قدر من الطاقة بمجرد تجاوز هذه المشكلة المؤقتة.
وفي ذات الإطار، أضاف رئيس الوزراء أن لدينا طُرقاً تمكننا من التحرك من مصنع في مدينة العاشر من رمضان إلى ميناء السخنة في نصف ساعة، ونمتلك قطارات وشبكات السكك الحديدية اللازمة لنقل البضائع، بالإضافة إلى الموانىء، منوهاً بأن هذا هو ما يصنع الفارق بين الدول وأن مصر تمكنت من أن تكون دولة جاذبة للاستثمارات، وقال: حان الوقت لنستفيد من عوائد هذه البنية الأساسية خلال الفترة القادمة، فهذه الموضوعات لا تتم بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى فترات طويلة، قائلًا: فمع حجم الأرصفة التي تمت في الموانئ، استطعنا اجتذاب كل الشركات العالمية للعمل على تشغيل تلك الأرصفة والموانئ، وأصبحت مصر -كما كنا ندرس في مدارسنا، أنها مركز لوجستي للعالم ومركز للنقل ومكان جغرافي متميز- قادرة على الاستفادة بحق من موقعها الجغرافي.
وأضاف مصطفى مدبولي: نحن نعمل وفق مستهدفات، ومعدل التضخم بدأ في الهبوط. وأكد أن تراجع حجم الدين من 168 مليار دولار في 31 ديسمبر إلى 153 في 6 أشهر، يُعد تراجعًا كبيرًا جدًا. كما أن زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 46 مليار دولار مهم أيضًا.
وأوضح أن المستثمرين ومؤسسات التصنيف لا تنظر فقط إلى حجم الدين، وإنما أيضًا "صافي الأصول الأجنبية الخاصة بالبنوك المصرية في الخارج"، مؤكدًا أن صافي الأصول الأجنبية للبنوك المصرية في الخارج كان سالب 27 مليار دولار، بمعنى أن الدولة المصرية كان يقع عليها التزامات بقيمة 27 مليار دولار، واليوم أصبح هناك فائض 10 مليارات دولار.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن كل ذلك يبعث رسائل ثقة حول قدرة الدولة على الاستمرار، والوضع الاقتصادي لها برغم التحديات والكوارث، حيث استطاعت الدولة المصرية تحقيق ذلك في خلال 6 أشهر.
ونوّه إلى مستهدفات الفترة القادمة، موضحًا أنها تتمثل في استمرار الانضباط المالي، للحفاظ على المسار الهبوطي لحجم الدين، بحيث يصبح إجمالي حجم الدين أقل من 80% بحلول سنة 2027، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة ليصبح 50% بدلًا من نحو 27 أو 30%، ويتعدى نسبة 65% و70% بحلول عام 2027.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر الدولة الوحيدة فى نطاق منطقتنا التى أعلنت عن تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة، منوهاً كذلك إلى ملف الطروحات، مؤكداً أنه لا يعدُ بيعاً بل تعظيماً من الاستفادة من أصول الدولة المُعطلة، وذلك من خلال إشراك مؤسسات القطاع الخاص، وهو ما يحقق عائداً للدولة بخلاف مواردها من الضرائب وخلافه، لافتاً إلى أن تحرك الدولة في هذا الشأن يُعدُ أمراً ايجابياً، وهناك العديد من المؤسسات الدولية تثني على التحركات المُتخذة في هذا الصدد، مع التأكيد على استمرار تطبيق هذا النهج، قائلاً:"نجدد التأكيد على التزام الدولة بالاستمرار في تنفيذ هذه السياسات، تعظيماً للاستفادة مما نمتلكه من أصول، وتحقيقاً لمشاركة أكبر لمؤسسات القطاع الخاص، وخاصة فى مجالات الصناعة والسياحة، ومختلف المجالات، ووصولاً لدور أكبر للقطاع الخاص فى هذه المجالات".
وأوضح رئيس الوزراء أن مختلف الآراء الواردة من المستثمرين تؤكد عدم إجراء تعديلات تشريعية فيما يتعلق بالاقتصاد، حيث أن مصر لديها قوانين جيدة جداً، بل الأهم هو العمل على تبسيط الإجراءات، وتوضيح المنظومة الضريبية، مؤكداً أن الشغل الشاغل خلال المرحلة القادمة هو العمل علي كيفية تبسيط الإجراءات وتوحيدها والاتجاه بشكل أكبر إلى رقمنتها والتعامل من خلال المنظومات الرقمية، هذا إلى جانب الاعلان عن السياسة الضريبية لمصر خلال السنوات العشر القادمة، وذلك بما يطمئن مناخ الاستثمار الداخلي قبل الخارجي.
وأشار رئيس الوزراء في هذا الصدد إلى أن التفكير في وجود وزارة للاستثمار وضم ملف التجارة الخارجية لها، كان مهماً خلال هذه الفترة، لقيام الوزارة بقيادة وتنفيذ مختلف هذه الأمور التى تتعلق بالاستثمار، وذلك بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المعنية فى هذا الشأن.
وفيما يتعلق بملف الصناعة، أشار رئيس الوزراء إلى أن التركيز خلال الفترة القادمة سينصب على العمل على أن تسهم الصناعة فى نمو الاقصاد المصري، بحيث يتنامى الاقتصاد بصورة كبيرة جداً خلال الفترة المقبلة، من خلال جذب استثمارات خارجية في قطاعات بعينها، وتشجيع المستثمر المحلي على التوسع في هذه القطاعات، ليكون شغلنا الشاغل زيادة الصادرات المصرية، واذا حققنا معدل نمو 15% سنوياً سنصل الى أرقام كبيرة جداً في الصادرات المصرية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الدولة مستمرة في ملف الإصلاحات وملتزمة بسداد الديون، حيث لم تتأخر عن السداد للديون الرئيسية على الدولة المصرية حتى في ظل الأزمات السابقة، في توقيت أعلنت فيه بلدان اخفاقها في سداد الالتزامات، حيث كانت مصر حريصة في هذا الملف، حتى وإن أثر ذلك على تباطؤ في توفير بعض السلع والانتاج، ولكن الدولة أعلنت خطة للتعافي من هذا الموضوع، وكُل هذه التحركات ستتم خلال الفترة المقبلة، حيثُ قمنا بحل مشكلة الدولار، ثم الكهرباء، ثم الأسعار لتظل مُستقرة على هذا المنوال، حيث يمنح كُل ذلك المواطن رسالة اطمئنان بأن الامور مستقرة، وعندها يصاحب ذلك مُعدل نمو كبير، وفرص عمل تتيحها الدولة من خلال هذا النمو.
وأكد أن من كان يوجه انتقاداً للدولة للتوسع في المشروعات خلال مرحلة ما، لابد أن يدرك أننا كُنا في فترة عصيبة منذ 2011 و2013 و 2014 وكانت الدولة في وضع صعب، وكان القطاع الخاص قد أحجم عن الاستثمار في الدولة لعدم استقرار الأوضاع والظروف غير المواتية، وكان البديل أن تدخل الدولة وتضخ الأموال، وتُعوض هذا التباطؤ، وإلا كانت أرقام البطالة ستزيد بشكل كبير، وكانت ستصل إلى 25% أو 30%، متسائلاً: كيف كان سيكون شكل الشارع حينها؟
وقال رئيس الوزراء : كان يمكن أن نتخيل حال شبابنا في الشارع في حال زيادة البطالة لمعدلات أكبر، مشيرا إلى أن معدل البطالة وصل الآن إلى 6.7% ونستهدف الوصول إلى أقل من 6.5%، ولم يكن يحدث ذلك إلا عن طريق زيادة الاستثمارات، بعضها قد يكون رفع الدين بنسبة معينة إلا أنه ساهم في حل مشكلة بطالة كان من الممكن أن تهدد الدولة إذا وصلت إلى الأرقام التي نتحدث عنها، فالدولة المصرية لديها تصور محدد للأزمة وكيفية الخروج منها في ظل وضع غير مستقر على الإطلاق، فلا أحد يمكنه التأكيد أن يتسع الصراع الدائر حاليا أو لا، أو تتسع رقعته.
واختتم رئيس الوزراء حديثه، بالإشارة إلى أنه لم يكن لدينا تصور أن تصل إيرادات قناة السويس 300 مليون دولار، بعد أن كانت 800 مليون دولار وأكثر، ومعنى ذلك أن هناك خسائر تقدر بما يتراوح بين 500 إلى 550 مليون دولار، فإذا زادت الأزمة الحالية ماذا سيكون الوضع حينذاك، فكل هذه صدمات خارجية تؤثر علينا ومضطرون أن نتعامل معها، فمع عدم الاستقرار الشديد ليس لدينا إلا أن نتوقع السيناريوهات الأسوأ والمتحفظة، إلا أننا نفاجأ بصدمات جديدة تزيد علينا العبء.
وأضاف رئيس الوزراء : نحن نسعى إلى أن نخرج من جميع هذه الأزمات، ونتطلع إلى أنه مع نهاية العام المالي الحالي تكون الدولة المصرية قد خرجت في سبيل التعافي.