يعد الأمن الغذائي أهم مرتكز للدولة، حيث أنه يمس حياة المواطنين بشكل مباشر ويهدد بقائهم، وبالرغم من أن مصر تصنف دولة زراعية في المقام الأول؛ إلا أنها تعاني من أزمة غذائية مركبة، في حين أن المصري القديم برع في الزراعة واستطاع الاستفادة من نهر النيل ومياه الفيضانات ونجح في اكتشاف زراعة الحبوب والبهارات، وبالمناسبة أجدادنا الفراعنة أول من اكتشفوا الكمون والبهارات والعدس والفول والثوم والبصل، وكانت مصر حين ذاك مركزا للغذاء لكل الشعوب المحيطة بها لكثرة خيراتها وخبرتها في الزراعة.
واليوم تتضرر الدولة المصرية من أزمة غذاء خانقة، بالرغم من جهودها في توفير غذاء صحي آمن يتناسب مع دخول المواطنين حسب المستوى الاجتماعي عن طريق استيراد كم كبير من السلع الأساسية؛ مما أدى لارتفاع أسعارها بسبب عزوف الكثير من المزارعين عن الاستمرار في الزراعة، نتيجة لجشع التجار الذين يبخسون بأسعار المحاصيل بأقل من سعر تكلفتها، وفي المقابل يقومون ببيعها بأعلى من سعرها الفعلي 10 أضعاف، في ظل غياب الرقابة عن تلك الفئة.
النتيجة لجوء الدولة للاستيراد لتحقيق الاكتفاء الذاتي على مدار العام لتفادي العجز في سلع تمس حياة الفقراء، في حين أنه يمكن إنهاء حالة الاستغلال وتحقيق الاكتفاء الذاتي للمحاصيل الزراعية والحيوانية معا والاستغناء عن الاستيراد وتحقيق أعلى دخل قومي يتجاوز الـ44% من إجمالي الدخل القومي، كما أنه سيسهم في تخفيض الاعتماد على الدولار.
يتعرض المزارعين لعمليات نصب وابتزاز من قبل التجار وخاصة صغار المزارعين، هل يعقل أن يقوم مزارع يمتلك 5 من الأفدنة وآخر يمتلك نصف فدان وثالث فدانا ونصف الفدان، يقومون بزراعتهم بقوليات ويتكلف عليهم سعر زراعة الفدان الواحد ما يقارب الـ15 ألفا من الجنيهات، وينتج الفدان ما يقارب من 2.5 طن، يقوم التاجر بشراء الطن الواحد بـ4 آلاف جنيه، بعد سلسلة مفاوضات أدت لارتفاع السعر من 3 آلاف إلى 4 آلاف، يعنى ذلك أنه يقوم بشراء كامل محصول الفدان الواحد 10 آلاف جنيهن في حين أن تكلفة زراعته على المزارع تقدر بـ15 ألفا من الجنيهات، يعني ذلك أن المزارع يخسر 5 آلاف جنيه مع كل فدان، بخلاف الجهد والتعب والسعي وتحمل خسارة المحاصيل بفعل التغيرات المناخية وحرارة الشمس القاتلة، فكيف إذًا نشجع المزارعين على الاستمرار في الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
لماذا لا تقوم الدولة بدعم صغار المزارعين وتحديد أسعار بيع المحاصيل بموجب عقود تضمن عدم تلاعب التجار بهم، وكذلك تحديد سعر البيع للمستهلك؛ لضمان عدم ارتفاع أسعار السلع، وتحقيق اكتفاء ذاتي واستقرارا في السوق المحلي وتوفير عملة صعبة.
كما ذكرت خلال السطور السابقة مصر تصنف في المقام الأول دولة زراعية وتعد الزراعة من أهم المرتكزات الاقتصادية التي تساهم في الدخل القومي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فكيف تترك الدولة جشع التجار يقصي على أهم مرتكز اقتصادي وعنصر الأمن الغذائي دون رقيب بمكن أن يوفر لها ما يقرب من 44% من إجمالي الدخل القومي.
وهنا أطرح تساؤل ما هو دور الإدارة العامة للأمن الغذائي التابعة لقطاع الشئون الاقتصادية بوزارة الزراعة؟!
لماذا لا تقوم تلك الإدارة بتولي عمليات تسعير المحاصيل الزراعية وتوفير ضمانات للمزارعين تبعث إليهم بالأمان والارتياح لتشجيعهم على الاستمرار في الزراعة؟
لماذا لا يتم إنشاء وكالة للغلال تتولى عمليات التسعير الثابتة التي تضمن عدم تلاعب التجار بالمزارعين والمواطنين معا؟.