ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "ما حكم اقتداء المصلي فرضا بالإمام الذي يصلي نافلة؟ فقد دخلت المسجد لأداء صلاة العشاء ووجدت جماعة تصلي فيه، فصليت معهم، وبعد انتهاء هذه الجماعة، فوجئت بمن كان يؤمهم يقول: إنه كان يصلي نافلة؛ فهل صلاتي صحيحة؟
وقالت دار الإفتاء: إن صلاة المأموم للفريضة جماعة خلف الإمام الذي يصلي نافلة صحيحة؛ فيجوز اقتداء المأموم المصلي فرضا بالإمام المتنفل، وكذا من يصلي نافلة بمن يصلي فرضا؛ إذ لا يشترط موافقة نية المأموم لنية الإمام.
فضل صلاة الجماعة
وذكرت دار الإفتاء، أنه قد حث الشرع الشريف على أداء الصلوات المكتوبة في جماعة ورتب عليها الفضل العظيم، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة».
اتباع المأموم للإمام في الصلاة
كما أوجب الشرع الشريف على المأموم اتباع إمامه فيها، فأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه».
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 311، ط. مكتبة الرشد): [فجعل فعلهم عقيب فعله، فالفاء للتعقيب، وإذا لم يتقدمه الإمام بالتكبير، والسلام، فلا يصح الائتمام به؛ لأنه محال أن يدخل المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه، ولا يدخل فيها الإمام إلا بالتكبير، والإمام اشتق من التقدم، والمأموم من الاتباع، فوجب أن يتبع فعل المأموم بعد إمامه] اه.
أقوال الفقهاء
وقد اختلف الفقهاء في اقتداء المصلي فرضا بإمام يصلي نافلة؛ فذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة في إحدى الروايتين إلى عدم جوازه؛ لعدم اتحاد صلاتي الإمام والمأموم.
قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 59، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولا يصلي المفترض خلف المتنفل)؛ لأن الاقتداء بناء، ووصف الفرضية معدوم في حق الإمام، فلا يتحقق البناء على المعدوم] اه.
وقال البدر العيني في "البناية شرح الهداية" (2/ 364، ط. دار الكتب العلمية): [م: (لأن الاقتداء بناء) ش: أي بناء أمر وجودي؛ لأنه عبارة عن متابعة الشخص لآخر في أفعاله بصفاتها، وهو مفهوم وجودي لا سلب فيه، وبناء الأمر الوجودي على المعدوم بصفاتها غير متحقق] اه.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 166، ط. مكتبة القاهرة): [وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان: إحداهما: لا تصح، نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث، وحنبل، واختارها أكثر أصحابنا، وهذا قول الزهري، ومالك، وأصحاب الرأي] اه.
بينما ذهب الشافعية، والحنابلة في رواية -رجحها جماعة منهم، كابن قدامة وابن تيمية- والظاهرية: إلى أنه لا يشترط اتحاد الصلاتين؛ فيجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل، وأن يأتم المتنفل بالمفترض، والمفترض بفرض آخر.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 166): [والثانية: يجوز. نقلها إسماعيل بن سعيد. ونقل أبو داود، قال: سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر ثم جاء فنسي، فتقدم يصلي بقوم تلك الصلاة، ثم ذكر لما أن صلى ركعة، فمضى في صلاته؟ قال: "لا بأس". وهذا قول: عطاء، وطاوس، وأبي رجاء، والأوزاعي، والشافعي، وسليمان بن حرب، وأبي ثور، وابن المنذر، وأبي إسحاق الجوزجاني، وهي أصح] اه.
وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (3/ 140، ط. دار الفكر): [جائز صلاة الفرض خلف المتنفل، والمتنفل خلف من يصلي الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلي صلاة فرض أخرى، كل ذلك حسن وسنة] اه.
وهو قول طائفة من السلف؛ منهم: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وسليمان بن حرب، وأبو ثور، والأوزاعي. ينظر: "الأوسط" لابن المنذر (4/ 218، ط. دار طيبة).
والمختار للفتوى: ما ذهب إليه الشافعية ومن وافقهم من أن صلاة المفترض خلف المتنفل جائزة؛ لما جاء من حديث معاذ رضي الله عنه: "أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يرجع فيؤم قومه" رواه البخاري.
وفي رواية: "كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشاء ثم ينطلق إلى قومه فيصليها هي له تطوع وهي لهم مكتوبة العشاء" رواه الإمام الشافعي في "المسند"، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار".
قال الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" (1/ 154، ط. دار ابن حزم): [وأما ائتمام المفترض بالمتنفل فحديث صلاة معاذ رضي الله عنه بقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتصريحه هو وغيره أن التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي الفريضة والتي صلاها بقومه نافلة لهو دليل واضح وحجة نيرة، وما أجيب به عن ذلك من أنه قول صحابي لا حجة فيه؛ فتعسف شديد] اه.
أما حديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه»، فليس فيه دليل على اشتراط موافقة نية المأموم للإمام في تعيين الصلاة؛ إذ المراد الاقتداء في الأفعال الظاهرة، مثل: التكبير، والركوع، والسجود، والقيام، والقعود، لا في الأفعال الباطنة؛ كالنيات. ينظر: "طرح التثريب" للحافظ العراقي (2/ 327، ط. الطبعة المصرية القديمة).
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فصلاتك للعشاء جماعة خلف الإمام المتنفل صحيحة؛ فيجوز اقتداء المأموم المصلي فرضا بالإمام المتنفل، وكذا من يصلي نافلة بمن يصلي فرضا، إذ لا يشترط موافقة نية المأموم لنية الإمام.