ظل العالم علي عهده في توثيق تاريخه وكلماته، منذ حفر ورسم علي الأحجار، مروراً بالكتابة علي الجلود والأخشاب، نهاية باستعمال الأوراق كحجة باقية شاهدة، ومنفذة لما اتفق وتعاهد عليه الجميع، أو لإبلاغ ما يريد مدونه إبلاغه.
فلولا حجر "رشيد" لما كنا عرفنا تفسير نقوش لغات المصريين القدماء، ولولاه لاعتقد العالم أننا أمام مقابر دون أن ندري أنها حضارة خبأت قصصًا وبطولات وأحداث عظيمة.
فقد ضُرب العالم في الأيام الماضية بمرض تحت مسمي "النسيان".. نسي ماذا يفعل- أزمة مايكروسوفت العالمية-، بسبب حفظ الذاكرة والأفعال والاعتماد المجرد علي آلات قد تضربها أمراض فيروسية غير محسوسة، وفي هذه الأيام لجأت معظم المؤسسات الخاصة والحكومية علي مستوي العالم إلي الأوراق التي لم يستخدمها البشر في تجاهل متعمد -خلال بضع سنين-، وخسرت بسبب هذا العطل آلاف المليارات المالية.
وقد أثبت هذا العطل أو الخلل العالمي، وجوب أن تكون سياسة العالم بين التطوير التكنولوجي مع البقاء والتمسك بالاحتفاظ بما تحتفظ به الذاكرة التكنولوجية بأوراق وأيادٍ عاملة حافظة لما تفعله هذه الآلات.
فلو ضربنا مثلًا بالكتيبات سواء كانت لمواد بحثية مهنية أو ثقافية، فسوف نجد أن الثقة تكمن في النسخ المطبوعة لما تتميز به من دراية ناشرها وكاتبها وطابعها، ومدي ما يتحمله من مسئولية مدنية وجنائية واجتماعية علي عاتق كل أطرافها، من ضمان حفظ حقوق النشر والطبع.
فمزج وإلزام استخدام النسخة المطبوعة والإلكترونية معًا بشكل متوازن ومتوازٍ يعطي ضمانة لأطراف ناشري النسخة، وحفظ وضمان حقوق القارئ من اكتسابه وتلقيه موادًا علمية ثابتة ومنقحة يستطيع أن يعتمد عليها، بضمان وجود نسخة ورقية استند عليها النشر الالكتروني.
فحديثنا يبين مدي وجوب الاهتمام بالتطور التكنولوجي -لوفرة وسهولة واقتصادية استخدامه ومواكبة لعصر الحداثة-، ووجوب استخدام الوسائل الورقية معه.
واتخذت ذلك عدة مؤسسات.. فتحفظ "دار الكتب والوثائق القومية بمصر"، المواد الورقية "أرشفتها" وحفظها إلكترونيًا، مع إلزام كل طالب لرقم الإيداع بوجوب تسليم نسخ ورقية وإلكترونية.
ويؤكد ذلك مدي أهمية الإبقاء علي النسخ المطبوعة من الصحف لأهميتها في التوثيق والبحث، كمادة علمية ثابتة ومنقحة يستطيع الباحثون الرجوع إليها في أي وقت.
يجب تعميم تجربة استخدام الطريقتين معًا لمجابهة أي تغيرات أو مفاجآت تكنولوجية طارئة.