بينما يعاني قطاع غزة صراعا لا هوادة فيه، هناك أزمة صحية جديدة تهدد حياة أطفاله: شلل الأطفال. وشدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار وتسريع المساعدات الإنسانية لمواجهة هذا التهديد الذي يلوح في الأفق.
إن اكتشاف مرض شلل الأطفال في عينات مياه الصرف الصحي الأسبوع الماضي يسلط الضوء على الوضع الخطير الذي تواجهه المنطقة التي مزقتها الحرب وتدهور النظم الصحية.
الأزمة الصحية في غزة: وضع مزر
تعاني البنية التحتية الصحية في غزة حالة من الفوضى بعد تسعة أشهر من الحرب المستمرة. ومع وفاة أكثر من 39 ألف شخص وإصابة 89 ألف آخرين وأكثر من 10 آلاف مفقود، أصبحت مستشفيات المنطقة غير عاملة إلى حد كبير. وتتفشى أمراض الإسهال، والتهابات الجهاز التنفسي، والتهاب الكبد الوبائي (أ)، وتتفاقم بسبب انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية الحاد بين الأطفال. ويتكدس السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في منطقة متقلصة مع صعوبة الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي.
منذ أوائل شهر مايو، تم نقل ما يقرب من مليون شخص إلى مناطق مثل خان يونس ودير البلح، حيث تم اكتشاف مرض شلل الأطفال مؤخرًا. وعلى الرغم من عدم وجود حالات مؤكدة للمرض، إلا أن الخطر لا يزال مرتفعا بالنسبة للأطفال غير المطعمين، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات. وقد أعاق الصراع جهود التطعيم بشكل كبير، حيث انخفضت التغطية من 99% إلى 86%.
الاستجابة الدولية والحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية
واستجابة لذلك، تقوم منظمة الصحة العالمية بنشر أكثر من مليون لقاح ضد شلل الأطفال في غزة في محاولة للحد من تفشي المرض. ومع ذلك، يحذر تيدروس أدهانوم غيبريسوس من أنه بدون وقف فوري لإطلاق النار وزيادة كبيرة في المساعدات، فإن خطر الأمراض والوفيات التي يمكن الوقاية منها سوف يستمر. إن الظروف الحالية، بما في ذلك تدمير 70% من مضخات الصرف الصحي في غزة وعدم تشغيل محطات معالجة مياه الصرف الصحي، تخلق بيئة مثالية لانتشار الأمراض.
السياق التاريخي والتحديات الحالية
يعكس الوضع في غزة السيناريوهات السابقة حيث أصبحت مناطق النزاع أرضًا خصبة لمرض شلل الأطفال. وفي سوريا، أدى تفشي المرض في عام 2017 إلى إصابة 74 حالة شلل، في حين أدت الحرب الأهلية المستمرة في الصومال إلى استمرار انتقال فيروس شلل الأطفال المتنوع منذ عام 2017. وتستمر أفغانستان وباكستان، وهما الدولتان الأخيرتان اللتان تعانيان من حالات شلل الأطفال البرية، في النضال بسبب انعدام الأمن والأزمات الإنسانية.
ويستشهد تيدروس بسوابق تاريخية للتفاوض على وقف إطلاق النار، مثل "أيام الهدوء" خلال الصراعات في السلفادور والسودان، والتي سمحت بتوصيل اللقاحات الحيوية. ويشكل السيناريو الحالي في غزة تذكيرا صارخا بالحاجة إلى نهج مماثل لمنع تفشي مرض شلل الأطفال على نطاق واسع.
على الرغم من الظروف الصعبة، يبذل العاملون الصحيون في غزة جهودًا استثنائية لتوفير الرعاية وإجراء مراقبة الأمراض. إن اكتشاف مرض شلل الأطفال في غياب مراقبة قوية للمرض يسلط الضوء على تفانيهم والحالة غير المستقرة للنظام الصحي.
وكانت المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، بدعم من منظمات مثل منظمة الروتاري الدولية، والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والتحالف العالمي للقاحات والتحصين، ومؤسسة بيل وميليندا جيتس، مفيدة في بناء وصيانة أنظمة مراقبة الأمراض في جميع أنحاء العالم. وقد أثبتت هذه الأنظمة فعاليتها في تحديد حالات تفشي المرض والسيطرة عليها في مناطق النزاع السابقة.
دعوة تيدروس أدهانوم غيبريسوس لوقف إطلاق النار لا تتعلق فقط بإنهاء العنف الحالي، بل تتعلق أيضًا بضمان وصول الخدمات الصحية الأساسية واللقاحات إلى المحتاجين. يواجه المجتمع الدولي لحظة حرجة للتصرف بشكل حاسم وإعطاء الأولوية لصحة ورفاهية السكان الضعفاء في مناطق النزاع.